وليس بالأمر اليسير أن يجد الإنسان نفسه ويحدد وجوده. لأننا في مجتمعنا هذا ننساق في الأغلب إلى أن نكبت حس الوجود ونخضعه لوضعنا الاقتصادي، ونربطه بالنمط الخارجي للحياة التي نحياها. فكل منا يعرف نفسه، ويعرفه الآخرون، لا بصفته كائنا أو ذاتا، بل بصفته بقالا أو بائع تذاكر بمترو الأنفاق أو أستاذا جامعيا أو نائب رئيس أو ما شئت من تلك الوظائف الاقتصادية. هذا الفقدان لحس الوجود يعود إلى الاتجاهات الجماعية
collectivism
والامتثالية التي تطبع ثقافتنا الحديثة. تلك الاتجاهات التي يوجه إليها الفيلسوف الوجودي الفرنسي جبرييل مارسيل هذا الاعتراض اللاذع: «أما من منهج تحليل نفسي أعمق وأفطن من هذا الذي بين ظهرانينا، يكشف لنا التأثيرات المرضية لكبت هذا الحس «بالوجود» وتجاهل هذه الحاجة؟»
2
يحاول العلاج الوجودي أن يكون هو هذا النوع العلاجي الأكثر عمقا وتفطنا.
لنتأمل هذه الحالة لمريضة نشأت ابنة غير شرعية لإحدى البغايا، وكفلها أقاربها حتى كبرت. تقول هذه المريضة: «ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي كنت أمشي فيه أسفل خطوط السكة الحديدية في ذلك الحي الفقير، تغمر إحساسي هذه الفكرة: «أنا طفلة غير شرعية» فأتصبب عرقا وأمتلئ كربا إذ أحاول أن أتقبل هذه الحقيقة. عندئذ أدركت كيف يكون إحساس إنسان عليه أن يتقبل حقيقة أنه زنجي وسط المحظيين البيض، أو حقيقة أنه أعمى وسط المبصرين. فلما أقبل الليل وغشيني النوم، إذا بي أفيق وقد ألقي في روعي هذا الوعي:
إنني أتقبل هذه الحقيقة:
أنا طفلة غير شرعية.
غير أنني لم أعد طفلة ... إذن تكون الحقيقة هكذا:
أنا غير شرعية.
صفحة غير معروفة