من أطراف المعمور للتمتع بجمالها الطبيعي. والحدائق التي تنبت على مجاري المياه من أجمل متنزهات الدنيا، ولكن الطبيعة هي العامل في بلادنا، أما يد الصناعة فلن تزال مغلولة. على أن نيل الامتياز الوطني بتوليد الكهربائية من هذا النهر للتنوير وتسيير القطارات، هو من تباشير الآمال حققها الله بالأعمال.
ومما لا يجب على المؤرخ أن ينساه، هو تهافت الناس على الاستقاء من المياه الجارية، مع كثرة ما يرمى فيها من القمامات (الكناسات)، ويغسل فيها من الثياب الملوثة بالأمراض العضالة ونحو ذلك، اعتقادا أن المياه الجارية لا تحمل أقذارا، فتفشت الحميات وبعض الأمراض، وانتقلت بالعدوى لوجود جراثيمها في مياه الشرب. ولولا ما في هواء المدينة من المناعة؛ لكانت موباة يتجافى الناس عن النزول في ربوعها.
على أن هذا الخطر قد زال والحمد لله منذ أخذت شركة المياه
3
بجر نبع الزويتينة الواقع قرب قرية حزرته على العدوة الجنوبية، في متوسط ما بين وادي العرايش وقاع الريم المقابلتين لها، وهو ينبجس من سفح الوادي على علو ثلاثين مترا عن مجرى النهر. وقد قدر ذلك الينبوع الغزير بنحو أربعين ألف متر، حصر معظمها في نفق (تونل) طوله أربعة أمتار ببناء متين وخزان منيع، وبدئ بعمله في صيف سنة 1907، وجرت المياه من الينبوع الأصلي إلى الخزان الكبير الواقع على رابية فوق دير النبي إلياس (الطوق) على بعد 1800 متر بقساطل حديدية ضخمة. وقد كان تدشين هذا الخزان في أول آب سنة 1907، وتم توزيع المياه على جانبي المدينة وحوش الزراعنة في شهر تشرين الأول سنة 1909م، وهذه المياه ممتازة بصفائها وعذوبتها وبرودتها. ولكن لن يزال بعض الخلل في قساطلها وخزانها؛ إذ تنقطع في أيام المطر الكثير ويتعكر صفاؤها. ولعل المفوض البلدي يتوفق إلى تمهيد هذه العوائق. وقد بلغ ما وزع من هذه المياه على المدينة نحو ألف متر حتى الآن (أول سنة 1911).
أما ينابيعها المنفردة عن النهر والتي في ضواحيها ومشارفها فأشهرها بل أنفعها للصحة عين الدوق، وموقعها على تلة في غربي المدينة على العدوة الشمالية حيث مزرعة عين الدوق، وتوصف مياهها للضعفاء لجودتها. وتحتها على ضفة النهر الشمالية عين الدويليبي، نسبة إلى أسرة الدويليبي الموجودة إلى الآن في المدينة، وهي تجري بميزابين غزيرين متقنة البناء، فخربها سيل خريف سنة 1909. ثم عين البخاش نسبة إلى أسرة موجودة فيها إلى عهدنا، وهي على ضفة النهر الجنوبية فوق نزل الصحة. ثم عين القرداحي (وتسميها العامة عين القرداح)، وهي في أعلى الكروم فوق دير القديس إلياس (الطوق) على طريق المتن العمومية. وتحتها عين أخرى قد جر بعضها إلى الدير المذكور وإلى الكلية الشرقية.
ثم عين المزرعة في الكروم، وعين البقر، وعين علين وهي قديمة على تلة المدينة الجنوبية فوق سراي الحكومة قرب أطلال علين، ثم عين الدخن فوق السراي في سفح التلة، ومن تلك الجهة استنبطت عين وجرت إلى باحة السراي. وتحت البيادر فوق النهر عين القسيس، ومقابلها في حوش الزراعنة عين الغصين نسبة إلى أسرة فيها، وفوقها عين مقصود نسبة إلى أسرة فيها، وموقعها في منخفض تلة الحمار الغربي. وعلى تلة فوقها إلى غربيها عين الفلفلة ووراءها بئر هاشم،
4
وهي نبع صيفي قد احتفرت قديما. ذلك عدا ينابيع أخر في أنحاء المدينة، مثل فوار شبوع نسبة إلى أسرة باقية فيها الآن، وهو في خندق أبي كحيل الذي يفصل حارة الراسية عن حارة المعالفة أو سيدة النجاة على الطريق العام. وعين المعراوي نسبة إلى أسرة في المدينة، وقد جرت إلى دير الآباء اليسوعيين. وكلها عذبة باردة هاضمة؛ فضلا عن بعض ينابيع لا تصلح للشرب، مثل عين الصنان بدار المرحوم عبد الله مسلم في الحارة السفلى (التحتا)، وهي معدنية المياه فيها محلول الكبريت. وعين الفيكاني في محلة جعيران فوق الجسر القديم وغيرها، ومن يحفر في المدينة إلى عمق عشرة أمتار يستخرج المياه. وفيها آثار آبار قديمة كثيرة فضلا عن الحديثة.
وفي محلة البيادر قرب سراي الحكومة غدير تجمع فيه مياه المطر، فتبقى إلى منتصف الصيف أو آخره، فيمثل بركة بديعة المنظر كأنها المرآة أو صفحة البلور النقية تنبسط حولها البيادر، التي هي أشبه بمرج مرصع بالنبات والأزهار. وفي هذه البقعة يتنزه الزحليون في الشتاء وأول الربيع، إلى أن يشتد الحر فيتحولون إلى الصفة في غربي المدينة. وفي هذه الجهة يضرب السياح سرادقاتهم (صواوينهم)، ومن هنا تنجلي المدينة للناظر بأجمل مشهد طبيعي يملأ العين، فتنبسط له النفس فضلا عن جمال هذه البركة التي ترى فيها المدينة وجهها، فهي لها كالمرآة أو كما قال ابن تميم:
صفحة غير معروفة