ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
الناشر
مكتبة الإيمان
مكان النشر
المنصورة - مصر
تصانيف
التخلي عن الدنيا وهانت عليهم رزيئة أولادهم ونسائهم في نفوسهم. ونزلت الآيات بكثير مما لم يألفوه ولم يتعودوه. وبكل ما يشق على النفس إتيانه في المال والنفس والولد والعشيرة فنشطوا وخفوا لامتثال أمرها. وانحلت العقدة الكبرى- عقدة الشرك والكفر- فانحلت العقد كلها وجاهدهم الرسول جهاده الأول فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي. وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى- فكان النصر حليفه في كل معركة، وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضى ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى. حدثوا الرسول عما اختانوا أنفسهم، وعرضوا أجسادهم للعذاب الشديد إذا فرطت منهم زلة استوجبت الحد- نزل تحريم الخمر والكئوس المتدفقة على راحاتهم، فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمظة والأكباد المتقدة، وكسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة.
حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم، بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم. وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم. وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة وفي اليوم رجال الغد. لا تجزعهم مصيبة ولا تبطرهم نعمة ولا يشغلهم فقر ولا يطغيهم غنى ولا تلهيهم تجارة ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا. وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين. وطَّأ لهم أكناف الأرض وأصبحوا عصمة للبشرية ووقاية للعالم وداعية إلى دين الله. واستخلفهم الرسول ﷺ في عمله ولحق بالرفيق الأعلى قرير العين من أمته ورسالته.
أغرب انقلاب وقع في تاريخ البشر:
لقد كان هذا الانقلاب الذي أحدثه ﷺ في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني أغرب ما في تاريخ البشر، وقد كان هذا الانقلاب غريبًا في كل شيء: كان غريبًا في سرعته وكان غريبًا في عمقه وكان غريبًا في سعته وشموله. وكان غريبًا في وضوحه وقربه إلى الفهم. فلم يكن غامضًا ككثير من الحوادث الخارقة للعادة، ولم يكن لغزًا من الألغاز. فلندرس هذا الانقلاب عمليًا، ولنتعرف مدى تأثيره في المجتمع الإنساني والتاريخ البشري.
1 / 85