ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته
سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا
شدوا الإغارة فرسانا وركبانا
من الوقائع ما تروع القارئ وتستطير لبه، فكيف بكاتبها وهو يتكتم منها ما لا يقوى على تسطيره طورا رحمة وطورا حياء. والأنباء الآتية من الأقطار البعيدة يحسبها البعض مبالغا فيها ويحسبها البعض مختزلة، ولكن الذين يظنون بها المبالغة أكثر؛ فمن سمع في سائر البلاد ما نزل بالأرمن من المصائب قال هذه من مكر الأرمن ولم يشأ تصديقها، ثم هناك أناس يقولون لنا إن الأرمن أعداء لنا ويزعمون أنهم هم المعتدون دائما، وأن المسيحيين لا يخلصون للمسلمين ودا ولا يصفون لهم سريرة، وينعتونهم لنا بالكافرين وأهل النار وغير ذلك من كلام الجهل والجنون، وبسطاؤنا يصدقون هذه الباطلات حسن ظن منهم بقائليها، ولبعدهم عن مواضع العلم وفهم الحقائق. فإذا ذكرت لهم تلك الفظائع لم تهز منهم موضعا من قلب، ومنتهى إنصافهم أن يقولوا إن الأرمن جنوا على أنفسهم.
هذا كلام قد يعذر عليه الجاهلون من السوقة والمحرومون من نعمة العقل، ولكن ما عذر جماعة من المؤلفين وأصحاب الصحف ورجال الرأي إذا قالوا ذلك. أما والله وددت أن أطاوع القلم في جماحه، ولكن أخاف مأثور القول.
المذابح الأرمنية التي كانت بالآستانة وبغيرها من أقطار الأناضولي ذكرت في حينها، فمنها ما جاء مفصلا في الجرائد وطيرها البرق في روايات مختلفة، ومنها ما كتب في رسائل خاصة بها. والتزام الإيجاز في هذا الكتاب يمنع استعادة ذكرها. غير أن هناك أشياء قد لا تكون ذكرت، بل ربما كانت خافية عن كثيرين ممن يستقصون مثل هذه الوقائع. أذكرها لتكون أمثلة لما كابده إخواننا المظلومون. وهذه النوادر أرويها عمن شهدها ممن عرفتهم بسيواس.
صفحة غير معروفة