صلى الله عليه وسلم
في أمته، وتغيير كتاب الله، عز وجل، وتبديل سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ومخالفة دعوته وإفساد شريعته، وسلوك غير طريقته، ومعاندة الخلفاء والأئمة من بعده. اعلم أن دين محمد
صلى الله عليه وسلم
ما جاء بالتحلي ولا بأماني الرجال ولا شهوات الناس، ولا بما حف على الألسنة وعرفته دهماء العامة، ولكنه صعب مستصعب، وأمر مستقبل وعلم خفي، ستره الله في حجبه ، وعظم شأنه عن ابتذال أسراره؛ فهو سر الله المكتوم، وأمره المستور الذي لا يطيق حمله، ولا ينهض بأعبائه وثقله إلا ملك مقرب، أو مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالتقوى.
فهز أبو العلاء كتفيه كأنه لم يسمع من داعيه شيئا جديدا، ثم قال له ضاحكا: أعلى هذا جئت تحلفني يا شيخ؟
فأجابه الداعية: لا، يا أحمد بن عبد الله، اسمع الآن. لا تستعجل. فكر معنا: ما معنى رمي الجمار، والعدو بين الصفا والمروة، ولم كانت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وما بال الجنب يغتسل من ماء دافق يسير، ولا يغتسل من البول النجس الكثير؟ وما بال الله خلق الدنيا في ستة أيام، أعجز عن خلقها في ساعة واحدة؟ وما معنى الصراط المضروب في القرآن مثلا والكاتبين الحافظين؟ وما لنا لا نراهما؟ أخاف أن نكابره ونجاهده حتى أدلى العيون، وأقام علينا الشهود، وقيد ذلك في القرطاس بالكتابة؟ وما تبديل الأرض غير الأرض، وما عذاب جهنم؟ وكيف يصح تبديل جلد مذنب بجلد لم يذنب حتى يعذب؟ وما معنى:
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ؟ وما إبليس، وما الشياطين وما وصفوا به، وأين مستقرهم، وما مقدار قدرهم؟ وما يأجوج ومأجوج وهاروت وماروت، وأين مستقرهم؟ وما سبعة أبواب النار، وما ثمانية أبواب الجنة، وما شجرة الزقوم النابتة في الجحيم، وما دابة الأرض ورءوس الشياطين والشجرة الملعونة في القرآن، والتين والزيتون، وما الخنس الكنس، وما معنى ألم، وكهيعص، وحم عسق، ولم جعلت السموات سبعا والأرضون سبعا، والمثاني في القرآن سبع آيات، ولم فجرت العيون اثنتي عشرة، ولم جعلت الشهور اثني عشر شهرا، وما يعمل معكم عمل الكتاب والسنة ومعاني الفرائض اللازمة؟
فكروا أولا في أنفسكم، أين أرواحكم، وكيف صورها، وأين مستقرها، وما أول أمرها، والإنسان ما هو، وما حقيقته، وما الفرق بين حياته وحياة البهائم، وفضل ما بين حياة البهائم وحياة الحشرات، وما الذي بانت به حياة الحشرات من حياة النبات، وما معنى قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «خلقت حواء من ضلع آدم .» وما معنى قول الفلاسفة: «الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير.» ولم كانت قامة الإنسان منتصبة دون غيره من الحيوانات؟ ولم كان في يديه من الأصابع عشر وفي رجليه عشر، وفي كل إصبع من أصابع يديه ثلاثة شقوق إلا الإبهام فإن فيه شقين فقط؟ ولم كان في وجهه سبعة أثقب وفي سائر بدنه ثقبان؟ ولم كان في ظهره اثنتا عشرة عقدة، وفي عنقه سبع عقد؟ ولم جعل عنقه صورة ميم، ويداه حاء، وبطنه ميما، ورجلاه دالا، حتى صار كتابا مرسوما يترجم عن محمد؟ ولم جعل إذا انتصبت قامته صورة ألف، وإذا ركع صارت صورة لام، وإذا سجد صارت صورة هاء، فكان كتابا يدل على الله؟ ولم جعلت عظام الإنسان كذا، وأعداد أسنانه كذا، والأعضاء الرئيسية كذا، إلى آخر ما هنالك من عروق وأعضاء، ووجوه ومنافع الحيوان؟ ثم قال: فلنفكر في حالنا ونعتبر ونعلم أن الذي خلقنا حكيم غير مجازف، وأنه فعل ذلك لحكمة وله فيها أسرار خفية حتى جمع ما جمع وفرق ما فرق، كيف يسعنا الإعراض عن هذه الأمور والله تعالى يقول:
صفحة غير معروفة