عندك، دون الناس، يستكتم
فجئناك لا لنزيد اتصالا بنا؛ فأنت منا جئناك، بل أمرنا «مولانا» أن نأتيك ونلقي إليك بأسرار دعوتنا التي رأيناك، بالطبع، مدعوا إليها. قد جرت عادة الله وسنته في عباده عند شرع من نصبه أن يأخذ العهد على من يرشده؛ ولذلك قال:
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ، ومن أمثال هذا؛ فقد أخبر الله تعالى أنه لم يملك حقه إلا لمن أخذ عهده، فأعطنا صفقة يمينك، وعاهدنا بالمؤكد من إيمانك وعقودك على ألا تفشي لنا سرا، ولا تظاهر علينا أحدا، ولا تطلب لنا غيلة، ولا تكتمنا نصحا، ولا توالي لنا عدوا.
وكان المعري يسمع وفمه مفتوح نصف فتحة، يريد أن يكشف له هذا السر، ولا يريد أن يحلف قبلما يعلم. ورأى الداعية تردده فقال له: أعطنا جعلا من مالك نجعله مقدمة أمام كشفنا لك الأمور وتعريفك إياها.
فأدخل أبو العلاء، وهو لا يدري ما يفعل، يده في جيبه، فوضع يده عليها ذلك الشيخ الذي سمع صوته منذ سنين، وقال له: قد عرفتك صبيا، عندما دعوت أباك، فلا تخرج شيئا، مثلك لا تؤخذ منه «النجوى».
فانتفض المعري وقال: وما النجوى؟
فأجابه شيخه: رسم اختياري يؤديه المؤمنون.
فصاح المعري: أما كفانا إيماننا العتيق حتى نزيد حملنا أثقالا عنيفة؟
فقال الداعي: يراد بكلمة المؤمنين هنا من يعتقدون معتقدنا ويناصرون دعوتنا، فلندع هذه المجادلات العرضية، وتهيأ لأخطر منها وأجل شأنا.
وتنحنح الشيخ الداعي، وأحكم جلسته، وقال بصوت فخم: اعلم، يا أحمد بن عبد الله، يا أخانا الذي انتدبنا «مولانا» للاتصال به، والبوح له بجميع أسرار دعوتنا معتمدين على نبله وشرفه؛ اعلم، أيها المستجيب، أن الناس قلدوا سفلتهم، وأطاعوا سادتهم وكبراءهم، اتباعا للملوك، وطلبا للدنيا التي هي في أيدي متبعي الإثم وأجناد الظلمة، وأعوان الفسقة الذين يحبون العاجلة، ويجتهدون في طلب الرئاسة على الضعفاء، ومكايدة رسول الله
صفحة غير معروفة