فلما خلا منهم جبل الشارات، ظن الموحدون أنهم أحمدوا الفرار وضجروا من البقاء، ولكن ما عتموا أن أبصروا معسكرهم في السهل المقابل، فعلموا أنهم خدعوا، ولم يفطنوا لانتقال العدو، فتركوه يحتل مكانا أفضل من مكانهم، يشرف عليهم من الربى العالية، بيد أن الناصر كان معتدا بعظمة جيشه، فلم يبال هذا التبدل في الموقف، واعتقد أن النصارى لا يصبرون طويلا على حربه، وسيحتاجون إلى المؤن والذخائر في انقطاعهم عن قشتالة.
فبأيدي عساكره الحصون الجبلية جميعا، ومنها القلعة التي احتلها الإسبانيون في البدء على جبل الشارات، فما تلكأ أن باشر الدعوة للقتال؛ فأبوها في اليوم الأول لما هم عليه من التعب ثم أبوها في اليوم التالي؛ لأنه يوم أحد، فكرهوا أن يحاربوا فيه، فلما كان صباح الإثنين في 16 تموز 1212م/15 صفر 609ه، أقام الأساقفة الصلاة ومنحوا الجنود البركة الرسولية، والغفران الكامل.
ثم جعل الملوك والقواد ينظمون جيوشهم، فوقف ألفنس الثامن - ملك قشتالة - في القلب يدير حركاته، ويشرف منه على سائر الأقسام، ويتألف القلب من أربع فرق: إحداها فرقة الجبليين القشتالين يتقدمها القائد ذو هارو، والثانية فرقة فرسان قلعة رباح، وشنت ياقب
2 (Santiago)
والداوية، والإسبتارية
3 (Les Hospitalieres) ، يتقدمها الكونت ذو لارا، والثالثة فرقة فرسان قشتالة القديمة، وأشتوريش (Asturies)
وبسكونية (Biscay) ، يتقدمها الكونت ردريق دياز، والرابعة الفرقة الاحتياطية من طليطلة ولاون يقودها الملك ألفنس بنفسه.
وأما الجناح الأيمن، فكان على رأسه شانجه السابع - ملك النافار - وفيه جنوده وفرسانه، والكماة الفرنسيون الذين آثروا البقاء، وفيه جنود جليقية والبرتغال يتقدمهم الأمير بدرو البرتغالي.
وينقسم الجناح الأيسر على أربع فرق تضم العساكر الأرغونية وبعض رجالة قشتالة، يتقدمه بدرو الثاني ملك أرغون.
واصطفت عساكر المسلمين في سهل العقاب مقابل أبدة، مقسومة على خمس فرق يتألف منها الخميس العرمرم، ففي المقدمة فرقة المطوعة، وتجعلها الرواية العربية ستين ألفا ومائة ألف، وفي الميمنة الجنود الأندلسية، وفي الميسرة البرابرة، وفي القلب جيش الموحدين، وفي المؤخرة الفرقة الاحتياطية من المغاربة والجيش النظامي، وبين القلب والمؤخرة نصبت للخليفة القبة التقليدية الحمراء التي ورثها المسلمون عن عرب الجاهلية، وأمامها جواده مسرجا، يحيط بها حرسه الخاص من الفرسان والمشاة، بأيديهم الرماح الممدودة، ودون الوصول إليهم دائرة شدت من سلاسل الحديد.
صفحة غير معروفة