وأيضا: فلو كان الخبر والعلم مانعا لما كان العبد قادرا على شيء أصلا؛ لأن الذي علم الله تعالى وقوعه كان واجب الوقوع، والواجب لا قدرة عليه، والذي علم عدمه كان ممتنع الوقوع، والممتنع لا قدرة عليه، فوجب أن لا يكون العبد قادرا على شيء أصلا، فكانت حركاته وسكناته جارية مجرى حركات الجمادات، والحركات الاضطرارية للحيوانات، لكنا نعلم فساد ذلك ضرورة؛ فإنه لو رمى إنسانا بحصاة حتى شجه، فإنا نذم الرامي ولا نذم الحصاة، وندرك بالبديهة الفرق بينهما إذا سقطت الحصاة عليه، وبين ما إذا رمى بها إنسانا بالاختيار.
وأيضا: فلو كان العلم بالعدم مانعا للوجود، لكان أمر الله تعالى للكافر بالإيمان أمرا بإعدام علمه، وكما أنه لا يليق به أن يأمر عباده بأن يعدموه، فكذلك لا يليق به أن يأمرهم بأن يعدموا علمه؛ لأن إعدام ذات الله وصفاته غير ممكن ولا معقول، والأمر به سفه وعبث، فدل على أن العلم بالعدم لا يكون مانعا من الوجود.
صفحة ١١٨