﴿بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
معانى القرآن للأخفش
المعاني الواردة في آيات سورة (الفاتحة)
﴿بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
﴿بِسْمِ اللهِِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾: "اسم" [في التسمية] صلة زائدة، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم الى قصد التبرّك، لان اصل الكلام "بالله" وحذفت الألف من "بسم" من الخط تخفيفًا لكثرة الاستعمال واستغناء عنها بباء الالصاق في اللفظ والخط فلو كتبت "باسم الرحمن" او "باسم القادر" أو "باسم القاهر" لم تحذف الالف.
والألف في "اسم" ألف وصل، لانك تقول: "سُمْيّ" وحذفت لانها ليست من اللفظ.
صفحة غير معروفة
(اب) اسمٌ، لانك تقول اذا صغّرته: "سُمَيّ"، فتذهب الألف. وقوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾، وقوله: ﴿وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ فهذا موصول لانك تقول: "مُرَيَّة" و"ثُنَيَّا عشر". و[قوله]: ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ موصول: لانك تقول: "ثُنَيَّتا عشرةَ"، وقال: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾، وقال: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾، لانك تقول في "اثنين": "ثُنَيِّيّن" وفي "آمرىء": "مُرَىّءِ" فتسقط الالف. وانما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما ارادوا استئنافه فلم يصلوا الى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الالف ليصلوا الى الكلام بها. فاذا اتصل [الكلام] بشيء قبله استغنى عن هذه الالف. وكذلك كل الف كانت في اول فعل او مصدر، وكان "يَفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك
1 / 3
ألف وصل نحو قوله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ﴿اهْدِنَا﴾ . لانك تقول: "يَهْدِي" فالياء مفتوحة. وقوله: ﴿أُوْلَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ﴾ و[قوله]: ﴿ياهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا﴾، وقوله: ﴿عَذَابٌ [٤١] ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾، وأشباه هذا في القرآن كثيرة. والعلة فيه كالعلّة في "اسم"، و"اثنين" وما أشبهه، لانه لما سكن الحرف الذي في اول الفعل جعلوا فيه هذه الالف ليصلوا الى الكلام به اذا استأنفوا.
وكل هذه الالفات (٢ء) اللواتي في الفعل اذا استأنفتهنّ مكسورات، فاذا استأنفت قلت ﴿اهْدِنَا الصّرَاطَ﴾، ﴿ابْنِ لِي﴾، ﴿اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ﴾، الا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله اذا استأنفت، تقول: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾، وتقول ﴿اذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ . وانما ضمت هذه الالف اذا كان الحرف الثالث مضمومًا لانهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفًا ساكنا، فثقل عليهم ان يكونوا في كسر ثم يصيروا الى الضم. فارادوا أن يكونا جميعًا مضمومين اذا كان ذلك لا يغير المعنى.
وقالوا في بعض الكلام في "المُنْتِن": مِنْتِن". وانما هي من ""أنتن" فهو "مُنْتِن"، مثل "أكرم" فهو "مُكْرِم". فكسرو الميم لكسرة التاء. وقد ضم بعضهم التاء فقال "مُنْتُن" لضمة الميم. وقد قالوا في "النَقِد": "النِقِد" فكسروا النون لكسرة القاف.
1 / 4
وهذا ليس من كلامهم الا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو "شعير". والحروف الستة: الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء
وما كان على "فُعِلَ" مما في أوله هذه الالف الزائدة فاستئنافه ايضًا مضموم نحو: ﴿اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ﴾ لان أول "فُعِلَ" ابدًا مضموم، [٢ب] والثالث من حروفها ايضًا مضموم.
وما كان على "أَفعَلُ أنا" فهو مقطوع الالف وإن كان من الوصل، لأن "أَفْعَلُ" فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في "يَفْعَل". وفي كتاب الله ﷿ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، و﴿أَنَاْ آتِيكَ بِهِ﴾ و﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ .
وما كان من نحو الالفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله: ﴿هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ﴾، وقوله ﴿يَاأَبَانَآ﴾، وقوله، ﴿إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ﴾،
1 / 5
و﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾ ﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ﴾، لانها اذا صغرت ثبتت الالف فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أُحَيْدى"، و"أحَد": "أُحَيْد"، و"أَبانا": "أُبَيُّنا" وكذلك "أُبَيّانِ" و"أُبَيُّونَ". وكذلك [الالف في قوله] ﴿مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾ و﴿أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾، لانك تقول في "الأنصار": "أُنَيْصار"، وفي "الأنباءِ": "أُبَيْناء" و"أُبَيْنُون".
وما كان من الالفات في أول فعل أو مصدر، وكان "يَفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مضمومة، فتلك الالف مقطوعة. تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله ﴿بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، لأنك تقول: "يُنْزَل". فالياء مضمومة. و﴿رَبَّنَآ آتِنَا﴾ تقطع لان الياء مضمومة، لأنك تقول: "يُؤْتِى". وقال ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ و﴿وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ لأنك تقول: "يُؤتِي"، و"يُحْسِن" [٣ء] . وقوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾، و﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ فهذه موصولة لأنك تقول: "يَأتي"، فالياء مفتوحة. وانما الهمزة التي في قوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾ همزة كانت من الاصل في موضع الفاء من الفعل، الا ترى انها ثابتة في "أتيت" وفي "أتى" لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله. وقوله: ﴿آتِنَا﴾ يكون من "آتى" و"آتاه الله"، كما تقول: "ذهب" و"أذهبه الله" ويكون على "أَعطنا". قال ﴿فَآتِهِمْ عَذَابًا﴾ على "فَعَل"و"أَفْعَلَهُ غيرُه".
1 / 6
وأما قوله: ﴿الرحمن الرَّحِيمِ الْحَمْدُ﴾ فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الالف واللام حتى ذهبت الالف في اللفظ. وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالالف تذهب اذا اتصلت بكلام قبلها. واذا استأنفتها كانت مفتوحة ابدًا لتفرق بينها وبين الالف التي تزاد مع غير اللام، ولان هذه الالف واللام هما جميعًا حرف واحد كـ"قد" و"بل". وانما تعرف زيادتهما بأن تروم الفا ولاما اخريين تدخلهما عليهما، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [٣ب] زائدتان الاترى ان قولك "الحمدُ للهِ" وقولك: "العالمين" وقولك "التي" و"الذي" "والله" لا تستطيع أن تدخل عليهن الفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الالف. الا أن توصل بالف الاستفهام فتترك مخففة، [و] لا يخفف فيها الهمزة الاناس من العرب قليل، وهو قوله ﴿ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ وقوله ﴿ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وقوله ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ . وانما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر. الا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم: "الرجل قال كذا وكذا" فلم تمددها صارت مثل قولك "الرجل قال كذا وكذا" اذا اخبرت.
وليس سائر الفات الوصل هكذا. قال ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾، وقال ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ . فهذه
1 / 7
الالفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في "اصطفى" [و"افترى"] قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد [والفاء] بهذه الالف التي قبلها للاستفهام. وقال من قرأ هذه الآية ﴿كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ﴾ ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ﴾ فقطع الف "أَتخذناهم" فانما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لانها اذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت. وقد قرىء هذا الحرف موصولا، وذلك انهم حملوا قوله ﴿أَمْ زَاغَتْ [٤ء] عَنْهُمُ الأَبْصَار﴾ على قوله ﴿مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ﴾ ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار﴾ .
وما كان من اسم في اوله الف ولام تقدر أن تدخل عليهما الفا ولاما أخريين، فالالف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله ﴿مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ﴾ لانك لو قلت "الإِله" فأدخلت عليها الفا ولاما جاز ذلك. وكذلك "أَلواح" وإلهام" و"إلقاء" مقطوع كله، لأنه يجوز ادخال الف ولام أخريين. فأما "إلى" فمقطوعة ولا يجوز ادخال الالف واللام عليها لأنها ليست باسم، وانما تدخل الالف واللام على الاسم. ويدلك على ان الالف واللام في "إلى" ليستا بزائدتين انك انما وجدت الالف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل "إلى" و"أَلاَّ". ومع ذلك تكون الف "إلى" مكسورة والف اللام الزائدة لا تكون مكسورة.
1 / 8
وأما قوله ﴿الْحَمْدُ للَّهِ﴾ فرفعه على الابتداء. وذلك ان كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره ان كان هو هو فهو ايضًا مرفوع، نحو قوله ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ﴾ وما أشبه ذلك. وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فانما رفع [٤ب] المبتدأ ابتداؤك اياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [و] كما كانت "أنَّ" تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم: "رفع المبتدأ خبره" وكل حسن، والأول أقيس.
وبعض العرب يقول ﴿الْحَمْدَ للَّهِ﴾ فينصب على المصدر، وذلك ان اصل الكلام عنده على قوله "حَمْدًا لله" يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان "أَحْمَدُ" ونصبه على "أَحْمَدُ" حتى كأنه قال: "أَحْمَدُ حَمْدًا" ثم ادخل الالف واللام على هذه.
وقد قال بعض العرب ﴿الْحَمْدِ للَّهِ﴾ فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك ان الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك اواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو "حَيْثُ" جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول "حَوْثُ" و"حَيْثَ" ضم وفتح.
1 / 9
ونحو "قَبْلُ" و"بَعْدُ" جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال الله ﵎ ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ فهما مضموتان الا ان تضيفهما، فاذا اضفتهما صرفتهما. قال ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ و﴿كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ و﴿وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ وقال ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ﴾ وذلك ان قوله ﴿أَن نَّبْرَأَهَآ﴾ اسم أضاف اليه ﴿قَبْل﴾ [٥ء] وقال ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ﴾ . وذلك ان قوله ﴿أَن نَّزغَ﴾ اسم هو بمنزلة "النَزْغ"، لأن "أنْ" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف اليها" بَعْد". وهذا في القرآن كثير.
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله ﷿ ﴿إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي﴾ و﴿هَآأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ﴾ مكسورة على كل حال. فشبهوا "الحمدَ" وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا "يا زيدُ". وفي كتاب الله ﴿ياهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا﴾ هو في موضع النصب، لان الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد، يقولون: "ذهب أَمسِ بما فيه" و"لَقِيتهُ أمسِ يا فتى"، فيكسرونه في كل
1 / 10
موضع في بعض اللغات. وقد قال بعضهم: "لَقِيتهُ الأمسِّ الأحدث" فجرّ أيضًا وفيه الف ولام، وذلك لا يكاد يعرف.
وسمعنا من العرب من يقول: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ وَالْعُزَّى﴾، ويقول: "هي اللاتِ قالت ذاك" فجعلها تاء في السكوت، و"هي اللاتِ فاعلم" جرّ في موضع الرفع والنصب. وقال بعضهم "من الآنَ إلى غد" فنصب لانه اسم غير متمكن. واما قوله: "اللاتِ فاعلم" [٥ب] فهذه مثل "أمسِ" وأجود، لان الالف واللام التي في "اللات" لا تسقطان وان كانتا زائدتين. واما ما سمعنا في "اللات والعزى" في السكت عليها فـ"اللاه" لانها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل "كان من الأمر كيتِ وكيتِ". وكذلك "ههياتِ" في لغة من كسر.
1 / 11
الا انه يجوز في "هيهات" ان تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث، ولا يجوز ذلك في "اللاتِ"، لان "اللات" و"كيت" لا يكون مثلهما جماعة، لان التاء لا تزاد في الجماعة الا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد.
وزعموا ان من العرب من يقطع ألف الوصل. أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: "يا إِبني" فقطع. وقال قَيْس بن الخطيم [من الطويل وهو الشاهد الأول] .
اذا جاوز الإِثنين سرٌّ فإنّه * بنشرٍ وتكثيرِ الوشاة قمين
وقال جميل: [من الطويل وهو الشاهد الثاني]:
ألا لا أرى إِثنين أكرمَ شيمةً * على حدثانِ الدهر مني ومن جُمْلِ
وقال الراجز: [وهو الشاهد الثالث] .
يا نفسُ صبرًا كلُّ حي لاق * وكلُّ إثنين إلى افتراق
[٦ء] وهذا لا يكاد يعرف.
1 / 12
وقوله: ﴿لِلَّهِ﴾ جر باللام كما انجر قوله:
﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ الرحمن الرَّحِيمِ﴾ لانه من صفة قوله ﴿للَّهِ﴾ . فان قيل: "وكيف يكون جرّا وقد قال: ﴿إِيّاك نَعْبُدُ [٥]﴾ .
وأما فتح نون ﴿الْعَالَمِينَ﴾ فانها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة [زائدة] على حدّ التثنية فهي مفتوحة. وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه: نحو نون "مسلمين" و"صالحين"
1 / 13
و"مؤمنين" فهذه النون زائدة لأنك تقول: "مسلم" و"صالح" فتذهب النون [٦ب]، وكذلك "مؤمن" قد ذهبت النون الآخرة، وهي المفتوحة، وكذلك "بنون". ألا ترى [انك] انما زدت على "مؤمن" واوا ونونا، وياء ونونا، وهو على حاله لم يتغير لفظه، كما لم يتغير في التثنية حين قلت "مؤمنان" و"مؤمنين". الاّ انك زدت ألفا ونونا، أو ياء ونونا للتثنية. وانما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين. وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا. قال: ﴿قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ﴾ وقال ﴿أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ والنون مكسورة.
وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو "العالمينَ" و"المتقينَ"، فنصبهما وجرهما سواء، كما جعلت نصب "الاثنينِ" وجرهما سواء، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع، وجعل رفع الاثنين بالالف.
وهذه النون تسقط في الاضافة كما تسقط نون الاثنين، نحو قولك: "بنوك" "ورأيت مسلميك" فليست هذه النون كنون "الشياطين" و"الدهاقين" و"المساكين". لان "الشياطين" و"الدهاقين" و"المساكين" نونها من الاصل [٧ ء] ألا ترى انك تقول: [شيطان] و"شُييطين" و"دِهقان" "دُهَيْقين" و"مِسْكين" و"مُسَيْكين" فلا تسقط النون.
فأما "الذينَ" فنونها مفتوحة، لانك تقول: "الذي" فتسقط النون لانها زائدة، ولانك تقول في رفعها: "اللذون" لان هذا اسم ليس بمتمكن مثل
1 / 14
"الذي". ألا ترى أن "الذي" على حال واحدة.
الا انّ ناسا من العرب يقولون: "هم اللذون يقولون كذا وكذا". جعلوا له في الجمع علامة للرفع، لان الجمع لا بد له من علامة، واو في الرفع، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة. فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في "الذي" لانه لا يجتمع ساكنان، كذهاب ياء "الذي" اذا ادخلت الياء التي للنصب، ولانهما علامتان للاعراب. والياء في قول من قال "هم الذين" مثل حرف مفتوح او مكسور بني عليه الاسم وليس فيه اعراب. ولكن يدلك على انه المفتوح او المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ لأنها علامة للاعراب.
وقد قال ناس من العرب "الشياطون" لانهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين" اذا كانت بعدها نون، وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة، بياء الاعراب التي في الجمع. فلما صاروا الى الرفع ادخلوا الواو. وهذا يشبه "هذاجُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ" [٧ب] فافهم.
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾
وأما قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فانه يجرّ لانه من صفة "اللَّهِ" ﷿.
وقد قرأها قوم ﴿مالكَ﴾ نصب على الدعاء وذلك جائز، يجوز فيه النصب والجرّ، [وقرأها قوم ﴿مَلْك﴾] الا أن "المَلْك" اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "مَلْك ومُلوك" وأما "المالك" فهو الفاعل كما تقول: "مَلَك فهو مالِكٌ" مثل "قهر فهو قاهر".
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فلأنه اذا قال "الحمدُ لِمالِكِ يومِ الدين" فانه ينبغي ان يقول "إيّاهُ نعبد" فانما هذا على الوحي. وذلك ان الله ﵎ خاطب النبي ﷺ فقال: "قل يا محمد": "الحمدُ لله" وقل: "الحمدُ لمالكِ يومِ الدين" وقل يا محمد: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
وأما قوله ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ولم يقل "أنت نعبد" [ف] لان هذا موضع نصب. واذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الاضمار الذي يكون للنصب جعل "أِيّاك" أو "إيَّاهُ" أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب.
1 / 15
قال: ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى﴾ لان هذا موضع نصب، تقول: "إني أَو زيدًا منطلق". و﴿ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ . هذا في موضع نصب. كقولك: "ذهب القوم الاّ زيدا". [و] انما صارت ﴿إِيَّاكَ﴾ [في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾] في موضع نصب من اجل ﴿نَعْبُدُ﴾ وكذلك:
﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أيضًا. واذا كان موضع رفع جعلت فيه "أنت" و"أنتما" و"أنتم"، و"هو" و"هي" واشباه ذلك.
المعاني الواردة في آيات سورة (الفاتحة)
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
واما قوله ﴿اهْدِنَا الصّرِاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فيقول: "عَرِّفْنا". واهل الحجازِ يقولون: "هديتُه الطريقَ" أي: عَرَّفته، وكذلك "هديتُه البيتَ" في لغتهم. وغيرهم يُلّحق به "الى".
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّآلِّينَ﴾
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ نصب على البدل. و﴿أَنْعَمْتَ﴾ مقطوع الالف لانك تقول "يُنعِم" فالياء مضمومة فافهم. وقوله:
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ هؤلاء صفة ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ لان "الصراطَ" مضاف اليهم، فهم جرّ للاضافة. وأجريت عليهم "غيرَ" صفة أو بدلا. و"غَيْرٌ" و"مِثْلٌ" قد تكونان من صفة المعرفة التي بالالف واللام، نحو قولك: " إني لأَمرّ بالرجلِ غيرِكَ وبالرجلِ مثلِكَ فما يشتمني"، و"غيرٌ" و"مثلٌ" انما تكونان صفة للنكرة، ولكنهما [٨ء] قد احتيج اليهما في هذا الموضع فأجريتا صفة لما فيه الالف واللام،
1 / 16
والبدل في "غير" أجود من الصفة، لان "الذي" و"الذين" لا تفارقهما الالف واللام، وهما أشبه بالاسم المخصوص من "الرجل" وما أشبهه.
و"الصراط" فيه لغتان، السين والصاد، الاّ انا نختار الصاد لان كتابها على ذلك في جميع القرآن. وقد قال العرب "هم فيها الجَمّاءَ الغفيرَ" فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا الالف واللام، وان كانوا قد اضهروهما كما أجروا "مثلك" و"غيرَك" كمجرى ما فيه الالف واللام وان لم يكونا في اللفظ. وانما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجيء في معنى النكرة. الا ترى انك اذا قلت: "إنّي لأَمرُّ بالرجلِ مِثلك" انما تريد "برجلٍ مثلِك". لأنك لا تحدّ له رجلا بعينه ولا يجوز اذا حددت له ذلك، الا ان تجعله بدلا ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز "مررت بزيدٍ مثلِك" الا على البدل. ومثل ذلك: "إنّي لأَمُرُّ بالرجلِ من اهل البصرة" ولو قلت: "إنّي لأَمُرُ بزيدٍ من أهل البصرة" لم يجز الاّ ان تجعله في موضع حال. فكذلك ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ .
وقد قرأ قوم ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ جعلوه على الاستثناء [٨ب] الخارج من اول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره ان شاء الله، وذلك انه اذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل الحجاز فانه
1 / 17
ينصب [و] * يقول "ما فيها أحدٌ إلاّ حمارًا"، وغيرهم يقول: "هذا بمنزلة ما هو من الأول" فيرفع. فذا يجرّ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ﴾ في لغته. وان شئت جعلت "غيرَ" نصبا على الحال لانها نكرة والأول معرفة، وانما جرّ لتشبيه "الذي بـ"الرجل". وليس هو على الصفة بحسن ولكن على البدل نحو ﴿بِالنَّاصِيَةِ﴾ ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ﴾ .
ومن العرب من يقول:
"هِيّاك" بالهاء ويجعل الالف من "إيّاك" هاء فيقول "هِيّاك نعبد" كما تقول: "إيهِ" و"هِيهِ" وكما تقول: "هَرَقت" و"أَرَقْتُ".
وأهل الحجاز يؤنثون "الصراطَ" كما يؤنثون "الطريقَ" و"الزُقاقَ" و"السبيل" و"السوقَ" و"الكَلاّءَ". وبنو تميم يذكّرون هذا كله. وبنو أسد يؤنثون "الهُدى".
1 / 18
المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة)
﴿الم﴾
أما قوله ﴿الم﴾ فان هذه الحروف اسكنت لان الكلام ليس بمدرج، وانما يكون مدرجا لو عطف بحرف العطف وذلك ان العرب تقول [٩ء] في حروف المعجم كلها بالوقف اذا لم يدخلوا حروف العطف فيقولون: "ألفْ باءْ تاءْ ثاءْ" ويقولون: "ألفٌ وباءٌ وتاءٌ وثاءٌ". وكذلك العدد عندهم ما لم يدخلوا حروف العطف [فـ] يقولون: "واحدْ اثنانْ ثلاثَهْ". وبذلك على انه ليس بمدرج قطع ألف "اثنين" وهي من الوصل. فلو كان وصلها بالذي قبلها لذهبت ولكن هذا من العدد، والعدد والحروف كل واحد منها شيء مفصول على حياله.. ومثل ذلك ﴿المص﴾ و﴿الر﴾ و﴿المر﴾ و﴿كهيعص﴾ و﴿طسم﴾ و﴿يس﴾ و﴿طه﴾ و﴿حم﴾ و﴿ق﴾ و﴿ص﴾ . الا ان قوما قد نصبوا ﴿يس﴾ و﴿طه﴾ و﴿حم﴾ وهو كثير في كلام العرب،
1 / 19
وذلك انهم جعلوها اسماء كالأسماء الاعجمية "هابيل" و"قابيل" فاما ان يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنه قال: "اذكر حم وطس ويس". او جعلوها كالأسماء، التي [هي] غير متمكنة فحرّكوا آخرها حركة واحدة كفتح "أينَ"، وكقول بعض الناس ﴿الْحَمْدِ للَّهِ﴾ . وقرأ بعضهم ﴿صَ﴾ و﴿نَ﴾ و﴿قَ﴾ بالفتح وجعلوها أسماء ليست بمتمكنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماءَ للسورة*، فصارت أسماء مؤنثة. ومن العرب من لا يصرف المؤنث اذا كان وسطه ساكنا [٩ب] نحو "هِنْد" و"جُمْل" و"دَعد"**. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع] .
وإني لأَهوى بيت هِنْدٍ وأهلها * على هنواتٍ قد ذكرن على هِنْدِ
وهو يجوز في هذه اللغة أوَ يكون سماها بالحرف، والحرف مذكر واذا سمي المؤنث بالمذكر لم ينصرف، [ف] جعل ﴿ص﴾ وما أشبهها اسما للسورة ولم يصرف، وجعله في موضع نصب.
وقال بعضهم "صادِ والقرآنِ" فجعلها من "صاديت"
1 / 20
ثم أمركما تقول "رامِ" كأنه قال: "صادِ الحقَّ بعملك" اي: تعمده، ثم قال ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ فأقسم، ثم قال ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ . فعلى هذا وقع القسم. وذلك أنهم زعموا أن "بل" هاهنا انما هي "إنّ" فلذلك صار القسم عليها.
وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور، فقال بعضهم: "انما هي حروف يستفتح بها" فان قيل "هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى"؟. فان معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا علامة لانقطاع ما بينهما، وذلك موجود في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول [من الرجز وهو الشاهد الخامس]:
* بلْ. وبلدةٍ ما الانسُ من أُهّالها *
[١٠ء] أو يقول [من الرجز وهو الشاهد السادس]:
* بلْ. ما هاجَ أحزانًا وشجوًا قد شجا *
فـ"بل" ليست من البيت ولا تعد في وزنه، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر.
1 / 21