75

كانت المؤتمرات عديدة في حياتنا برغم أننا تخلينا عن كثير منها لأسباب شتى، تتعلق بالعمل أو بالصحة تارة وتتعلق بالأسرة تارة أخرى. كانت بداياتنا في بروكسل، ولعل ذلك كان في عام 1923؛ فذكرياتي في هذا المجال غامضة إلى حد ما. ومع ذلك فقد كان الاضطراب يشلني عندما توجب علي أن أقوم بإلقاء كلمة طه في المؤتمر. كنت شابة وخجولا بوجه خاص، ولقد بقيت خجولا دوما. وتوجب علي في بعض الأحيان أن أبذل جهدا كبيرا لأتمكن من السيطرة على نفسي . غير أن طه استطاع الانتصار على تردده وصار بعد ذلك يقول لنفسه ما كان يريد أن يقوله في مثل هذه المناسبات.

كما أذكر اضطرابي في «بروج

Bruges »، وتسليتي أيضا عندما كنا نبحر بهدوء عبر القنوات الهادئة على ظهر زورق صغير. فقد اضطر أحد أعضاء المؤتمر، وكان كبيرا في السن، أن يجلس على الأرض عند مرورنا تحت جسر واطئ، قائلا لي بمهابة: «إنني أسقط على قدميك يا سيدتي!»

وكذلك عصبية طه بسبب أحد أعضاء المؤتمر الآخرين، وكان إنسانا في منتهى الاضطراب، إذ كان يقرر كل شيء بادئا دوما كلامه بجملة لا تتغير، عميق الثقة بنفسه: «إنني أسمح لنفسي في أن ...»

ولما كنت لا أترك طه وحده، فقد قدمت إلى الملك ألبير وإلى الملكة إليزابيت عندما استقبلا أعضاء المؤتمر. وفي حفل الاستقبال الذي تلا ذلك، تحدثنا كل الوقت تقريبا مع الأمراء الشبان، وكان منهم الأميران الشابان ماري جوزيه التي ستصبح ملكة وليوبولد الذي سيصبح ملكا، وكانا في منتهى اللطف.

ولا أذكر سوى القليل أيضا عن مؤتمر أكسفورد الذي كان المؤتمر الثاني

122

الذي نحضره. ومع ذلك، فلعلي كنت أنا أيضا من قرأ المحاضرة العلمية التي كتبها طه عن «استخدام ضمير الغائب في القرآن.» كان مؤنس، وقد أصبح في السادسة من عمره، معنا؛ ذلك أنه أبدى من التذمر لدى معرفته بسفرنا بحيث إن طه لم يستطع التغلب على عاطفته، فصحبناه معنا. لكنه سرعان ما مرض ونحن على ظهر الباخرة. كان المسافرون، وكانوا مرضى بدورهم، يصعقونه بنظراتهم. لم يكن هذا الفتى الصغير المسكين مسئولا عن بحر المانش الرهيب، ولا عن ضيق باخرة ليس فيها سوى السطح وقاعة خانقة. أما توفيق (سكرتير طه)

123

فقد اختفى، ولم أعثر عليه إلا في «نيوهافن

صفحة غير معروفة