116

لم يكن طه سعيدا جدا إلا عندما يمارس نشاطه الغالي عليه. لقد كان يعزي نفسه بالكتابة وبالحديث من حين لآخر عبر الإذاعة البريطانية.

كان هناك أصدقاء يمرون من القاهرة. واستطعت أن أعهد إلى أحدهم ببعض الثياب الصوفية لأمي بفضل الكابتن «فيليول

Filliol » الذي عمل مدة أربع سنوات عضوا في وفد فرنسا المقاتلة، ثم في المفوضية. ولقد ذهب بنفسه يحمل أخباري لأمي التي لم يكن يعرفها. لقد كان هذا الإنسان ذو القلب يملك صفتين نادرتين: الحصافة، والفطنة.

وفي أبريل 1945 التقينا أخيرا «ب. ج. ديلو

Deslous » الذي نقل هو الآخر أخباري إلى أمي من مقره في الجزائر، كما حمل لي معه أقراطا من البلاستيك الأسود على شكل عنقود، هدية متواضعة وجميلة، من «مصنوعات باريس».

وذات يوم استمعنا من الراديو، ونحن نرتعد، إلى تصريح تشرشل: «لقد انتهى كل شيء.» وظننا أن المدافع سوف تطلق نيرانها على الفور احتفالا بذلك، وانتظرنا ساعتين. وعندما سمعناها كانت ذات أصوات مخنوقة؛ فقد كان الجنود محجوزين في ثكناتهم، كما كانت الشوارع هادئة.

وتعم الفرحة الجميع. كان آل سيرفيه يسكنون على الجانب الآخر من الشارع؛ فذهبنا إليهم مع كامل وخالد عبد الوهاب. وفي المساء حضروا جميعا إلى بيتنا كما حضر بالإضافة إليهم جين وريمون، فالتصقنا بالراديو محاولين التقاط إذاعتي باريس ولندن.

ودعت بعض جنود فرنسا الحرة الذين تمكنت من رؤيتهم. كانوا بعضا من جرحى معركة بير حكيم.

197

ما الذي حل بالشاب الكابتن بيرود ذي الشجاعة العظيمة والمتواضعة؟ كان قد رحل قبل بدء معارك الألزاس، ولم أتلق عنه أو منه منذ ذلك الحين أي خبر. أما المساعد دوريو، فقد كان يكتب لي الرسائل خلال سنوات طويلة، وكان يبدأ رسائله الودية الموجهة إلينا نحن الأربعة ب «أعزائي كافة.» وكان هناك أحد أعضاء الفرقة الأجنبية، قدم من التيرول، قد قال لي وهو يضغط على الراء: «أماه! أود لو استطعت أن أحمل فرنسا على يدي لأقدمها لك هدية!»

صفحة غير معروفة