فما ظهر جيش مسروق حتى لاحت دلائل الاستخفاف على الملك الحبشي، فقال: «أيقابلني المجنون بحفنة من الرجال يلتقمها جيشي لقمة واحدة؟ والله لا أقاتله وأنا على فيل، هاتوا لي فرسا أركبها»، ثم تحول عن رأيه فصاح: «بل هاتوا لي جملا، بل هاتوا حمارا، فإن الحمار خير ما ألقى به هذا المدعي المغرور؟».
على أن مسروقا ما لبث أن رأى عجبا، إذ انقضت تلك الحفنة من الرجال فخالطت طلائع جيشه غير حاسبة للموت حسابا، وجعل يسمع نداء عربيا ويرى سلاحا كان إلى جانبه ينقلب عليه.
ثم انهل مطر من النشاب حوله وحول حماره، فلقد أحكم رماة الفرس نشابهم هذا الإحكام لغرض في النفس، فارتاع مسروق وصاح بالأحباش فالتفوا حوله ليقوه الشر، ففتك بهم النشاب فتكا ذريعا، فتساقط من تساقط، وتبعثر من تبعثر، ولم تطل الوقعة حتى انحلت عرى الجيش الحبشي وتمت هزيمته.
وتابع الجيش الظافر زحفه حتى صنعاء، وكان باب المدينة واطئا، فأبى وهرز أن يمر بالباب وينكس رايته فصاح: اهدموا الباب.
فنظر سيف إلى حسن صنعة البناء، وشحبت وجوه اليمنيين، أيكون ذلك أول جزاء الاستعانة بالأجنبي الفاتح على الأجنبي الفاتح؟
وما استطاع سيف إلا أن يقر هدم الباب، ودخر وهرز ورايته مرفوعة يداعبها النسيم.
وكان أول ما فعل أن طلب الأموال والهدايا، فسيق له منها الشيء الكثير، فبعث به إلى كسرى.
فكتب إليه كسرى يقول: توج سيفا، وعاهده على الأمانة للفرس، وافرض عليه الجزية كل عام، وأن يتزوج الفرس من قومه، ولا يتزوج قومه من الفرس.
فنفذ وهرز ما أمره به ملكه وقفل راجعا، وانتقلت اليمن من سيطرة أجنبية إلى سيطرة أجنبية، واستوى سيف على عرش أجداده من بني حمير في غمدان، وجاءته الوفود مهنئة.
على أن بعض الأحباش الذين أراد إذلالهم، فجعلهم خولا وجمازين بين يديه، غدروا به فقتلوه.
صفحة غير معروفة