فقال النعمان: حبا وكرامة يا ابن العم.
ولم يلبث الأمير سيف أن وجد نفسه في المدائن، في قصرها الملكي العظيم، ينتظر الإذن بمقابلة كسرى.
ثم أذن له، فمثل بين يدي الملك.
قال سيف: إنك لتذكر، أيها الملك، رجلا من بني حمير خان الحظ بلاده، فاجتاحها الأحباش، وأذاقوا أهلها مر العذاب، فأتى المدائن مستغيثا وقد غصبه قائد الأحباش امرأته، ولكنه قضى نحبه في غم الانتظار، ذلك، أيها الملك، والدي! ولقد سمعت أنه تلقى وعدا أكيدا بالمعونة، فلنا عليكم الدين الذي هو وعد الحر. وإن إخراج الأحباش من اليمن لصدمة قاسية يمنى بها نفوذ الروم، وهم ألد أعدائكم، وبينكم وبينهم المكايدة الشديدة، وأهل اليمن أهل معروف، ووفاء بالمعروف، وبلادهم خيرة غنية، فلن تضيع لكم في ذمتهم جهود تبذلونها من أجلهم.
فانبسط وجه كسرى لما نقل إليه الترجمان الكلام وتأمل الحزن المكبوت والعزم الصادق في محيا هذا الأمير العربي الجميل، وأحس ما يحسه من ألم ثقيل في قرار نفسه، ورأى حقا أن للدولة الفارسية مصلحة في طرد الأحباش من اليمن وإضعاف نفوذ الروم، ولكن أين المدائن من اليمن، وبينهما المسافات الشاسعة، وجلها فراغ موحش، قفر وفلاة؟ غير أنه أبى أن يواجه سيفا بما يسوءه، فطيب خاطره، وأمر له بصلة، وصرفه إلى حين آخر.
حمل سيف الصلة، فجعل ينثرها، وهو منصرف، على خدم القصر.
فرده إليه كسرى وسأله عن سبب ما يصنع، فأجابه: ما أتيتك أطلب الذهب، وأرض بلادي ذهب، ولكني جئت أطلب الغوث لقوم مظلومين.
فأعظمه كسرى، وأكبر مروءته، وبرق له بارق خلاب من تلك البلاد التي زعم الأمير العربي أن أرضها ذهب!
وراح العاهل الفارسي يقلب الأمر على وجوهه، وأخيرا جمع مرازبته للنظر.
من أجنبي إلى أجنبي
صفحة غير معروفة