مباحث الأمر التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى
الناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون
سنة النشر
العدد (١٢٣)
تصانيف
كَقَوْل الْمُسلمين مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن١، وَكَقَوْلِه تَعَالَى ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ ٢ وَقَول نوح ﵇: ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ ٣.
وَلَا ريب أَن الله يَأْمر الْعباد بِمَا لَا يُريدهُ بِهَذَا التَّفْسِير وَالْمعْنَى كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ ٤ فَدلَّ على أَنه لم يوت كل نفس هداها مَعَ أَنه أَمر كل نفس بهداها.
وكما اتّفق الْعلمَاء على أَن من حلف بِاللَّه ليقضين دين غَرِيمه غَدا إِن شَاءَ الله أَو ليردن وديعته أَو غصبه أَو ليصلين الظّهْر أَو الْعَصْر إِن شَاءَ الله، أَو ليصومن رَمَضَان إِن شَاءَ الله وَنَحْو ذَلِك مِمَّا أمره الله بِهِ فَإِنَّهُ إِذا لم يفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لَا يَحْنَث٥ مَعَ أَن الله أمره بِهِ لقَوْله إِن شَاءَ الله، فَعلم أَن الله لم
_________
١ - قَالَ ابْن حزم فِي الْفَصْل ٣/١٨٢ “وَيَكْفِي من هَذَا كُله اجْتِمَاع الْأمة على قَول مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن”.
٢ - سُورَة الْأَنْعَام آيَة رقم ١٢٥.
٣ - سُورَة هود آيَة رقم ٣٤.
٤ - سُورَة السَّجْدَة آيَة رقم ١٣.
٥ - قَالَ ابْن قدامَة ﵀ فِي الْمُغنِي ٨/٧١٥ “وَجُمْلَة ذَلِك أَن الْحَالِف إِذا قَالَ مَا شَاءَ الله مَعَ يَمِينه فَهَذَا يُسمى اسْتثِْنَاء ... وَأجْمع الْعلمَاء على تَسْمِيَته اسْتثِْنَاء وَأَنه مَتى اسْتثْنى فِي يَمِينه لم يَحْنَث فِيهَا”.
وَانْظُر الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل ٣/١٩٠ والانتصار فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة الأشرار ١/٣٠٥ - ٣٠٦.
وَقد اسْتدلَّ أهل الْعلم على ذَلِك بقول النَّبِي ﷺ: “من حلف فَقَالَ إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث” رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. انْظُر سنَنه مَعَ تحفة الأحوذي ٥/١٢٩ وَابْن ماجة ١/٦٨٠ وَهُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد، انْظُر إرواء الغليل ٨/١٩٨.
1 / 384