بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
الحمد لله الذي أرسل جود جوده على الأنام فهمي وخلق الإنسان وكلفه ليكون بكمالات نفسه الناطقة قيمًا، وابدع إذ أطلع في سماء ذاته من شرائف صفاته انجما، وغاير بين حركات الحيوانات فمكبوب، ومنساب، وسابح وطائر بالجناح سما، ومنح كلًا منها الهاما يقرطس غرض المرام سهمه متى رمى، وأقامه فيها مقام العقل الغريزي الذي نبل به قدر المرء ونمى، والصلاة على سيدنا محمد أشرف خلق ولج القول سمعه، وشق له اللسان فما وعلى آله وصحبه ما أضاف الخالق في تركيب البدن إلى اللحم دمًا.
وبعد: فهذا الفن الثالث من الفنون التي دعت النفس إلى جمعها أحاديث أمانيها ولجأت إلى الانقياد بوضعها من وساوس أغراض تعانيها قصرته على ذكر الحيوان بجملة أنواعه وما اشتمل عليه كل ذي روح من أخلاقه وطباعه ولم التفت إلى ما تحدث عن استعمال شيء منها من النفع والضر، ولا إلى ما ذكرته الأطباء من تشريح أعضاء الصور وذلك موضوع لهم في كتب مروية عدت باختلاف الأسماء والنعوت معنونة فمتى أرادت الافهام إستفصاحًا عن أسراره واستصباحًا من أشعة أنواره فسبيلها إلى تعرف مقصودها منه، مقسوم إلى تسعة أبواب جعلتها معربة عنه: الباب الأول: " في ذكر خصائص نوع الإنسان " الباب الثاني: " في ذكر طبائع ذي الناب والظفر " الباب الثالث: " في ذكر طبائع الحيوان المتوحش " الباب الرابع: " في ذكر طبائع الحيوان الأهلي " الباب الخامس: " في ذكر طبائع الحشرات والهوام " الباب السادس: " في ذكر طبائع سباع الطير " الباب السابع: " في ذكر بغاث خشاش الطير " الباب الثامن: " في ذكر طبائع الطير الليلي والهمج " الباب التاسع: " في ذكر طبائع البحر والمشترك " وهنا أنا ابتدي قاصدًا إن شاء الله تعالى سواء السبيل مستعينًا بالله تعالى، فهو حسبي ونعم الوكيل.
مما يكون فاتحة الكتاب.
الباب الأول
وهو القول في بيان شرف الإنسان على سائر المخلوقات
قال الله تعالى:) ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا (. فعلم بهذه الآية أن الإنسان صفوة العالم وخلاصته وسلالته، وخاصته، ونخبته، وثمرته، وزبدته فمن أدوات التكريم فيه قول الله تعالى:) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه (ومن خلقت من أجله، وسببه جميع المخلوقات علويها وسفليها، خليق بأن يرفل في ثياب الفخر على من تعداه، وتمتد إلى اقتطاف زهرات النجوم يداه ومنها أنه واسطة بين شريف وهو الملائكة، ووضيع وهو الحيوان ولأجل ذلك، جمع فيه قوى العاملين، وأهل لسكنى الدارين، فهو كالحيوان في الشهوة والغذاء، وكالملائكة في العلم، والعقل، والعبادات، ووجه الحكمة فيه أنه تعالى لما رشحه لعبادته وخلافته في عمارة أرضه وهيأة مع ذلك لمجاورته في جنته ودار كرامته، جمع فيه القوتين، فإنه لو كان كالبهيمة معرى عن العقل لما صلح لخلافة الله تعالى، وعبادته، ومجاورته في جنته كما لم تصلح البهائم، ولو خلق كالملائكة معرى عن الحاجة البدنية لم يصلح لعمارة أرضه كما لم تصلح الملائكة لذلك.
ومنها أنه خصه برتبة النبوة، واقتضت الحكمة الإلهية أن تكون شجرة النبوة صنفًا مفردًا ونوعًا واقعًا بين الإنسان والملك، ومشاركًا لكل واحد منهما على وجه فإنه كالملائكة في الاطلاع على ملكوت السماوات والأرض، وكالبشر في أحوال المطعم والمشرب ومثله واقعًا بين نوعين، مثل المرجان مكونه شبيهًا للنبات والمعدن فإنه بما فيه من الحجرية يشبه المعدن، وبما فيه من النمو وتشذب الأغصان يشبه النبات ومنها أنه إذا طهر من نجاسته النفسية، وقاذوراته البدنية جعل في جوار الله تعالى يكون حينئذ أفضل من الملائكة لقوله تعالى) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (وفي الحديث) الملائكة خدم أهل الجنة (.
القول في مبدأ خلق الإنسان
قال أصحاب النظر في أسباب حدوث الموجودات: إن الحكمة اقتضت إن تكون المخلوقات أربعة أقسام: قسم له عقل ولا شهوة له.
قسم له شهوة ولا عقل له.
وقسم له عقل وشهوة.
وقسم لا عقل ولا شهوة.
1 / 1