ولما صارت عظمة سلطنة وفتوحات الحضرة العلية زينة أذن أصحاب خانقاهات عالم الملكوت اتضحت صورة هذه الأنباء فى مرآة الفكر الرزين والتصور الحكيم بعيد النظر لعقلاء دولة الإنجليز الإفرنجية وحكمائها الذين يسترشدون بالعقل والمعرفة فى تنظيم شئون مملكتهم واختراع الصناعات وروائع الفنون، والذين يطورون مراسم الطقوس المسيحية بسبب أبى العجائب الذهن [ص 61] المتوهج والفكر الممحص، وذلك لأن الملك (الله) ذا الجلال قد وضع زمام مقدرات شعب إيران فى القبضة المقتدرة للشهريار عالى المقام، وقد فتح أبواب حسن سلوكه وشوكته وجلالته فى وجه الشيخ والشاب، وزين وجه طلعته وإقباله بوشم الخلود، وهذب روضة حظه من الحسك وشوك النقص والعيب، فكان لتجديد العهود القديمة «3» سيستلزم الوفاق بين الدولتين العليتين، ولا جرم أن سرت إشارة من قبل الملك ذى الجاه الإنجليزى إلى حاكم ممالك الهند- الذى كان قد نشر فى أثناء حكمه لواء الاستقلال فى تلك البلاد- بأن يعين أحد وكلائه للسفارة بالبلاط المشبه بالفلك ومعه روائع تحف الهند وبدائع هدايا مملكة) إنجلترا، وبأن يكتب الرسالة المشتملة على إعلان التهنئة بالسلطنة والمعربة عن معانى ومضامين المودة، وطبقا لإشارة الملك عالى المقام قدم ميرزا مهدى على خان الملقب ببطل الحرب المهاب- الذى كان أصله من ولاية خراسان ومن جملة العقلاء- فى أواخر شهر ربيع الأول، وعرض الرسالة والهدايا على نظر الملك الشريف، فصار محل عطف وإشفاق الفكر الأبيض المشرق للظل الإلهى.
وعلى نسق هذه الحال، وصل السفراء الفصحاء من قبل تيبو سلطان ملك دار الملك الدكن ومعهم التحف الجميلة والعديدة التى كان من بينها ثلاثة سلاسل بمقدار محيط جسم الفيل، وقد صار السفراء موضع شفقة وعطف لا نهاية لهما، وفى الأوان نفسه أقرعت مسامع أولياء الدولة القاهرة بخبر مقتل تيبو سلطان وانتقال مملكته إلى دولة الإنجليز، فعاد كل واحد من مبعوثيه إلى موطنه الأصلى.
وفى أواخر العام نفسه ضرب اللهيار خان يد التوسل إلى ذيل عفو وصفح كسرى صاحب البلاد، ودخل من باب الالتجاء طالبا العذر عن ماضيه، وأرسل واحدا من وكلائه الموثوق بهم إلى بلاط صاحب السماء وكان قد التمس أن يعين أحد خدام البلاط لإحضار مربية عفته المستورة- التى كان قد تعهد بإرسالها سابقا [ص 62]- حتى يوصلها إلى خيمة سراى العزة، وطبقا لتمنياته صدر الأمر بهذه الخدمة لميرزا أسد الله مستوفى الديوان الأعلى.
23 - التفويض المالى والإدارى لمملكة فارس وإقليم مازندران إلى
الأمير حسين على ميرزا والأمير محمد قلى ميرزا، ووقائع أخرى:
صفحة ٩٢