كل نهار فى منزل وكل ليل فى مكان وقد صار فضاء الدنيا أضيق من السجن فى وجهه، فكان يعيش أحيانا فى البصرة وأحيانا على أبواب بغداد خوفا على روحه، وكان يراوده فى رأسه ودون وعى خيال فج، وكان يوصل الأزمنة من نهار إلى ليل ومن ليل إلى نهار، وهو فى غاية القلق والاضطراب، وبعد واقعة السلطان المغفور له وفى أثناء خيانة صادق خان المغرور [ص 34] توجه محمد خان من نواحى البصرة إلى" بهبهان" مع عدد من أقاربه وأتباعه، على أمل أنه ربما يشفى ألم مرضه العضال، فرأى هناك الساعد والمعين الخالى الوفاض، فذهب بقلب يائس إلى نواحى كازران، فاجتمعت على أمره طائفة ممستى وهى من طوائف فارس، فحلق جمع من جيش القيامة ذى الروح السلطانية الحلوة، والذين كانوا حراسا لتلك الثغور، وهزموه، وفر إلى مقربة من" خبيص" وهو فى غاية الاضطراب، وفى تلك الحدود أيضا طمع فى الإعانة والحماية من الأفغان، ويئس من مساعدة تلك الجماعة، وأسرع مع الحسرة والندم إلى مقربة من إصفهان، ومن المصادفات، أن كان حكام إصفهان وأعيانها فى طهران بقصد تقبيل عتبة الخاقان فاتح البلاد، فهجم أحد إخوة الحاج محمد حسين خان- الذى كان فى إصفهان- ودون خوف على تلك الجماعة بدون أن يسأل عن أحوالهم، فقبضوا عليه، وتخيل محمد خان من وقوع هذه الواقعة فتحا فى أمره، فنزل من هناك إلى حديقة" سعادت آباد" وأجتمع على رأسه جمع من الألوار الذين كانوا يقيمون فى إصفهان، ووقع رعايا إصفهان كالقطيع بلا راع فى يد أولئك الذئاب المغرورة، وجمع فى مدة يومين أو ثلاثة أيام بلياليها الأمتعة الظاهرة من بضائع وخيول ودنانير ودراهم، وفوض محمد خان بحكومة إصفهان لميرزا عبد الوهاب المستوفى، وأطلق يده بأخذ ومصادرة أموال التجار وأغنياء تلك المدينة الخالدة المشهورة.
صفحة ٦٣