296

معارج القبول بشرح سلم الوصول

محقق

عمر بن محمود أبو عمر

الناشر

دار ابن القيم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

مكان النشر

الدمام

تصانيف

الْمُتَكَلِّمِينَ فَخَاضُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ الِانْتِقَالِ وَعَدَمِهِ، وَفِي خُلُوِّ الْعَرْشِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَذَلِكَ تَكَلُّفٌ مِنْهُمْ، وَدُخُولٌ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّكْيِيفِ لَمْ يَأْتِ فِي لَفْظِ النُّصُوصِ وَلَمْ يَسْأَلِ الصَّحَابَةُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حِينَ حَدَّثَهُمْ بِالنُّزُولِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِذَلِكَ ونصدق بِهِ كَمَا آمَنُوا وَصَدَّقُوا. فَإِنْ قَالَ لَنَا مُتَعَنِّتٌ أَوْ مُتَنَطِّعٌ: يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ كَذَا كَيْتَ وَكَيْتَ فِي أَيِّ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ لَا تُلْزِمُنَا نَحْنُ فِيمَا تَدَّعِيهِ وَإِنَّمَا تُلْزِمُ قَائِلَ ذَلِكَ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمَا قَالَهُ حَقِيقَةً وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ إِذْ لَازِمُ الْحَقِّ حَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُ ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ فَأَنْتَ مُعْتَرِضٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ كَاذِبٌ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ سَمِعَ أَحْمَدَ بْنَ سَلَمَةَ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: جَمَعَنِي وَهَذَا الْمُبْتَدِعَ -يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ- مَجْلِسُ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَسَأَلَنِي الْأَمِيرُ عَنْ أَخْبَارِ النُّزُولِ فَسَرَدْتُهَا، فَقَالَ بن أَبِي صَالِحٍ كَفَرْتُ بِرَبٍّ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ. فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ١. وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَرْوُونَ أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، رَوَاهَا الثِّقَاتُ الَّذِينَ يَرْوُونَ الأحكام، فقال: ينزع وَيَدَعُ عَرْشَهُ؟ فَقُلْتُ: يَقْدِرُ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: فَلِمَ تَتَكَلَّمُ فِي هَذَا٢. وَقَالَ إِسْحَاقُ أَيْضًا: قَالَ لِي ابْنُ طَاهِرٍ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ هَذَا الَّذِي تَرْوُونَهُ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ" كَيْفَ يَنْزِلُ؟ قُلْتُ: أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ، لَا كَيْفَ، إِنَّمَا يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ٣. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ ابْنِ طَاهِرٍ وَحَضَرَ إِسْحَاقُ، فَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النُّزُولِ أَصَحِيحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقُوَّادِ: كَيْفَ يَنْزِلُ؟ فَقَالَ: أَثْبِتْهُ فَوْقَ حَتَّى أَصِفَ لَكَ النُّزُولَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَثْبَتُّهُ فَوْقَ، فَقَالَ إِسْحَاقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الْفَجْرِ: ٢٢] فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هَذَا يَا أَبَا

١ البيهقي في الأسماء والصفات "ص٥٦٨".
٢ البيهقي في الأسماء والصفات "ص٥٦٨".
٣ البيهقي في الأسماء والصفات "ص٥٦٨" وقريبا منها رواها اللالكائي "٧٧٤" وانظر شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية "ص٤١" والفتوى الحموية "ص٤١".

1 / 302