286

معارج القبول بشرح سلم الوصول

محقق

عمر بن محمود أبو عمر

الناشر

دار ابن القيم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

مكان النشر

الدمام

تصانيف

دَاوُدَ" ١. فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التَّصْرِيحُ بِإِضَافَةِ الصَّوْتِ وَالْأَلْحَانِ وَالتَّغَنِّي إِلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ، وَالْقُرْآنُ الْمُؤَدَّى بِذَلِكَ الصَّوْتِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ الْمَهَارَةُ بِالْقُرْآنِ وَالتَّتَعْتُعُ فِيهِ هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَسَعْيُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ" ٢ وَهَذَا الْفَرْقُ وَاضِحٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَ الصَّوْتُ هُوَ نَفْسَ الْمَتْلُوِّ الْمُؤَدَّى بِهِ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الِاتِّحَادِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ مِنْ أَيِّ تَالٍ وَبِأَيِّ صَوْتٍ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ فَلَا مَزِيَّةَ لِمُوسَى ﵇ عَلَى غَيْرِهِ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا، لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
"مَسْأَلَةٌ": اشْتُهِرَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهَارُونَ الْفَرْوِيِّ وَجَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّفْظِيَّةَ جَهْمِيَّةٌ، وَاللَّفْظِيَّةُ هُمْ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، قَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، يَعْنُونَ غَيْرَ بِدْعِيَّةٍ الْجَهْمِيَّةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَلْفُوظُ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ وَلَا مَقْدُورًا لَهُ، وَالثَّانِي التَّلَفُّظُ وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَكَسْبُهُ وَسَعْيُهُ، فَإِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْخَلْقِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي شَمِلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ، وَإِذَا عُكِسَ الْأَمْرُ بِأَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ شَمِلَ الْمَعْنَى الثَّانِيَ وَهِيَ بِدْعَةٌ أُخْرَى مِنْ بِدَعِ الِاتِّحَادِيَّةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ، فَإِنَّكَ إِذَا سَمِعْتَ رَجُلًا يَقْرَأُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تَقُولُ هَذَا لَفْظُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَتَقُولُ هَذَا لَفْظُ فُلَانٍ بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ، إِذِ اللَّفْظُ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّلَفُّظِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْمَلْفُوظِ بِهِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ

١ البخاري "٩/ ٩٢" في فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن. ومسلم "١/ ٥٤٦/ ح٧٩٣" في صلاة المسافرين، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن.
٢ البخاري ٨/ ٦٩١" في التفسير، باب سورة عبس. ومسلم "١/ ٥٤٩-٥٥٠/ ح٧٩٨" في صلاة المسافرين، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتعتع فيه.

1 / 292