معارج القبول بشرح سلم الوصول
محقق
عمر بن محمود أبو عمر
الناشر
دار ابن القيم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
مكان النشر
الدمام
تصانيف
صِفَةً مِمَّا سَمَّى وَوَصَفَ نَفْسَهُ تَعَالَى بِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَلَا أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى وَيُبْصِرُ، فِرَارًا بِزَعْمِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْمَخْلُوقِينَ فَنَزَّهُوهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَشَبَّهُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، قَالَ اللَّهُ ﷿ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ فِي دَعْوَتِهِ أَبَاهُ إِلَى اللَّهِ ﷿: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مَرْيَمَ: ٤٢] وَقَدْ أَثْبَتَ الْجَهْمِيَّةُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ حُجَّةً لِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَجَوَابًا لِإِنْكَارِ خَلِيلِ اللَّهِ وَجَمِيعِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ لِلْكُفَّارِ أَنْ يَقُولُوا: وَمَعْبُودُكُمْ أَيْضًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: سَمِيعٌ بِلَا سَمْعٍ بَصِيرٌ بِلَا بَصَرٍ وَأَطْرَدُوا جَمِيعَ أَسْمَائِهِ هَكَذَا فَأَثْبَتُوا أَسْمَاءً وَنَفَوْا مَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِثْبَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، وَقَوْلُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ مُخَالِفٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالْفِطَرِ السَّلِيمَةِ، وَهَدَى اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ لِفَهْمِ كِتَابِهِ وَآمَنُوا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَقَرُّوا بِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَنَفَوْا عَنْهُ التَّشْبِيهَ، كَمَا جَمَعَ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ ﷿: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ .
[الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ]:
وعلمه بِمَا بَدَا وَمَا خَفِي ... أَحَاطَ عِلْمًا بِالْجَلِيِّ وَالْخَفِي
أَيْ: وَمِمَّا أَثْبَتَهُ اللَّهُ ﷿ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ ﷺ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِعِلْمٍ وَأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَعِلْمُهُ أَزَلِيٌّ بِأَزَلِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ، فَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ جَمِيعَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِ خَلْقِهِ وَأَرْزَاقَهُمْ وَآجَالَهُمْ، وَأَعْمَالَهُمْ وَشَقَاوَتَهُمْ وَسَعَادَتَهُمْ، وَمَنْ هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِهِمْ وَلَحَظَاتِهِمْ وَجَمِيعَ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ أَيْنَ تَقَعُ وَمَتَى تَقَعُ وَكَيْفَ تَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَبِمَرْأًى مِنْهُ وَمَسْمَعٍ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ سَوَاءٌ فِي عِلْمِهِ الْغَيْبُ
1 / 237