معارج القبول بشرح سلم الوصول
محقق
عمر بن محمود أبو عمر
الناشر
دار ابن القيم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
مكان النشر
الدمام
تصانيف
نَقْصٌ وَلَا غَفْلَةٌ وَلَا ذُهُولٌ عَنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ، وَلِهَذَا أَرْدَفَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ بِنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ فَقَالَ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] أَيْ: لَا تَغْلِبُهُ سِنَةٌ وَهُوَ الْوَسَنُ وَالنُّعَاسُ، وَلَا نَوْمٌ وَنَفْيُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ السِّنَةِ، بَلْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ -أَوِ النَّارُ- لَوْ كُشِفَتْ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" ١.
"وَجَلَّ" عَنْ "أَنْ يُشْبِهَهُ الْأَنَامُ" فِي ذَاتِهِ أَوْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ لِأَنَّ الصِّفَاتِ تَابِعَةٌ لِمَوْصُوفِهَا فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَوِ اهْتَدَى الْمُتَكَلِّمُونَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هَدَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَمَا نَفَوْا عَنِ اللَّهِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمَا عَطَّلُوهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ فِرَارًا بِزَعْمِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ فَوَقَعُوا فِي أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَلَزِمَهُمْ أَضْدَادُ مَا نَفَوْهُ مِنَ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَسَبَبُ ضَلَالِهِمْ أَنَّهُمْ تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّهَمُوا الْوَحْيَيْنِ فِيمَا نَطَقَا بِهِ وَوَزَنُوهُمَا بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ وَأَذْهَانِهِمُ الْبَعِيدَةِ وَقَوَانِينِهِمُ الْفَاسِدَةِ الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مِنْ عُلُومِ الْإِسْلَامِ فِي ظِلٍّ وَلَا فَيْءٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَوْضَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ أَدْخَلَهَا الْأَعَادِي عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِقَصْدِ إِظْهَارِ الْفَسَادِ وَلِغَرْسِ شَجَرَةِ الْإِلْحَادِ الْمُثْمِرَةِ تَعْطِيلَ الْبَارِي ﷿ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَعُلُوِّهِ وَاعْتِقَادِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ.
جَاءُوا بِهَا فِي قَالَبِ التَّنْزِيهِ ... لِلَّهِ كَيْ يُغْوُونَ كُلَّ سَفِيهِ
قَالُوا صِفَاتُ كَمَالِهِ مَنْفِيَّةٌ ... عَنْهُ مَخَافَةَ مُوجَبِ التَّشْبِيهِ
١ قد تقدم، وقد رواه مسلم دون البخاري.
1 / 209