معارج القبول بشرح سلم الوصول
محقق
عمر بن محمود أبو عمر
الناشر
دار ابن القيم
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
مكان النشر
الدمام
تصانيف
السَّلَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ لِرِسَالَتِهِ وَإِظْهَارِ أَنَّهُ مَا ثَمَّ رَبٌّ أَرْسَلَهُ ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ لِأَنَّهُمَا قَالَا لَهُ: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمَا: وَمَنْ رَبُّ الْعَالَمِينَ الَّذِي تَزْعُمَانِ أَنَّهُ أَرْسَلَكُمَا وَابْتَعَثَكُمَا فَأَجَابَهُ موسى قائلا: ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أَيْ: خَالِقُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَمَالِكُهُ وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِ وَإِلَهُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَمَا فِيهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَاتِ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَالْعَالَمِ السُّفْلِيِّ وَمَا فِيهِ مِنْ بِحَارٍ وَأَنْهَارٍ وَقِفَارٍ وَجِبَالٍ وَأَشْجَارٍ وَحَيَوَانَاتٍ وَنَبَاتٍ وَثِمَارٍ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الْهَوَاءِ وَالطَّيْرِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ وَالرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ وَمَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْجَوُّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ كُلُّ مُوقِنٍ أَنَّهَا لَمْ تَحْدَثْ بِأَنْفُسِهَا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُوجِدٍ وَمُحْدِثٍ وَخَالِقٍ وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْجَمِيعُ مُذَلَّلُونَ مُسَخَّرُونَ وَعَبِيدٌ لَهُ خَاضِعُونَ ذَلِيلُونَ ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أَيْ: إِنْ كَانَتْ لَكُمْ قُلُوبٌ مُوقِنَةٌ وَأَبْصَارٌ نَافِذَةٌ ﴿قَالَ﴾ أَيْ: فِرْعَوْنُ ﴿لِمَنْ حَوْلَهُ﴾ مِنْ أُمَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ١ وَكُبَرَائِهِ وَرُؤَسَاءِ دَوْلَتِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالتَّنَقُّصِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ لِمُوسَى ﵊ فِيمَا قَالَهُ: ﴿أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ أَيْ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا فِي زَعْمِهِ أَنَّ لَكُمْ إِلَهًا غَيْرِي، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ أَيْ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْقُرُونِ السَّالِفَةِ فِي الْآبَادِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ وَلَا أَبُوهُ وَلَا أُمُّهُ وَلَمْ يُحْدَثْ مِنْ غَيْرِ مُحْدِثٍ، وَإِنَّمَا أَوْجَدَهُ وَخَلَقَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَهَذَانِ الْمَقَامَانِ هُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلَتْ: ٥٣] وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يَسْتَفِقْ فِرْعَوْنُ مِنْ رَقْدَتِهِ وَلَا نَزَعَ عَنْ ضَلَالَتِهِ بَلِ اسْتَمَرَّ عَلَى طُغْيَانِهِ وَعِنَادِهِ وَكُفْرَانِهِ ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٢٧] أَيْ: لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ ثَمَّ رَبًّا غَيْرِي ﴿قَالَ﴾ أَيْ: مُوسَى لِأُولَئِكَ الَّذِينَ أَوْعَزَ إِلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ مَا أَوْعَزَ مِنَ الشُّبَهِ فَأَجَابَ مُوسَى ﵇ بِقَوْلِهِ: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَشْرِقَ مَشْرِقًا تَطْلُعُ مِنْهُ الْكَوَاكِبُ وَالْمَغْرِبَ مَغْرِبًا تَغْرُبُ فِيهِ الْكَوَاكِبُ
_________
١ أي: جماعته وجنوده.
1 / 109