248

مع المشككين في السنة

محقق

فاروق يحيى محمد الحاج

تصانيف

ثانيًا: ويضاف إلى ذلك: أن هذا الحديث لم يذكره أحد ضمن الأحاديث المنتقدة على الشيخين، لا الدارقطني من قبل ولا أبو مسعود الدمشقي من بعد، ولا غيرهما ممن تكلم على أحاديثهما.
ثالثًا: قول صاحب الرسالة: إن النبي ﷺ قال لهم لما عادوا يسألونه: هل يأتونه بالدواة والكتف: «(ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرًا)» هذه اللفظة دسَّها -صاحب الرسالة- في الحديث، ولم ترد في أي طريق من طرقه، لا في الصحيحين ولا في غيرهما. وإني أتحداه أن يذكر مرجعًا معتمدًا من كتب السُّنَّة يبيِّن فيه اسم الكتاب والباب الذي وردت فيه هذه اللفظة. وهيهات هيهات له ذلك! اللهم إلا في نهج الكذب الذي هو أصح عندهم من "صحيح البخاري" فيُحتمل.
ولم أكن أتوقع من دعيّ العلم هذا أن يصل به الحال إلى أن يكذب على النبي ﷺ، وينسب إليه شيئًا لم يقله. أفلا يخشى هذا المتجرئ من توعّد النبي ﷺ من يفعل ذلك متعمدًا بالنَّار، كما في حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (^١).
وفي لفظ: عن سلمة بن الأكوع ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (^٢).
والحديث متفق عليه، وهو حديث متواتر، أي: أنه يفيد القطع بحرمة الكذب على النبي ﷺ عمدًا، وهذا ما حمل أبا محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي على تكفير من يتعمَّد الكذب عليه ﷺ (^٣).
ولا يبعد عندي بعد أن قرأت الرسالة المذكورة أن يكون صاحبها متشبعًا بفكر الرافضة وإن لم يكن على خطِّهم تمامًا، فإنه يقول بالكثير مما يقولونه ويردده، مما يدلُّ على أنهم يردون موردًا واحدًا، ويصدرون عنه جميعًا.

(^١) صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم. وتقدم هناك قول النووي والألباني: إنه متواتر.
(^٢) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي ﷺ (١/ ٣٣)، رقم (١٠٩).
(^٣) شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ٦٩).
وإن من ينظر في حال الطوائف المنتسبة إلى الإسلام يجد الرافضة أشدهم ضررًا وأعظمهم كذبًا، وليس أدلّ على ذلك من استخدامهم للتقية دينًا، ولسبِّ الصحابة ﵃ وتكفيرهم شعارًا وعقيدة. قال الإمام ابن تيمية مؤكدًا على ذلك -وهو أخبر النَّاس بخبثهم ومكرهم-: «فهم أشد ضررًا على الدين وأهله، وأبعد عن شرائع الإسلام من الخوارج الحرورية، ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة. فليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أكثر كذبًا ولا أكثر تصديقًا للكذب وتكذيبًا للصدق منهم، وسيما النفاق فيهم أظهر منه في سائر الناس» (^١)، إلى أن قال: «وكل من جرَّبهم يعرف اشتمالهم على هذه الخصال -أي: خصال النفاق-، ولهذا يستعملون التقية التي هي سيما المنافقين واليهود، ويستعملونها مع المسلمين، ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾، ويحلفون ما قالوا وقد قالوا، ويحلفون بالله ليرضوا المؤمنين ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾» (^٢).
وصاحب الرسالة وإن كان قد رفض هذا الحديث ولم يقبله إلا أنه بإثباته لهذه اللفظة فيه يريد أن يبيِّن للنَّاس أنها هي الوصية الثالثة التي نسيها الراوي، وكأنه يلمح بهذا إلى أن الرواة بمن فيهم البخاري قد تمالئوا على حذفها. وعبارته التي ذكرها في آخر الحديث -وهي قوله: «على حدِّ تعبير البخاري» - تدلُّ على ذلك. وليس ما أراده صحيحًا، ولا ما ألمح إليه حقًا، فإن هذه الوصية قد نسيها الراوي فعلًا، وهو سليمان بن أبي مسلم الأحول، كما نصَّ على ذلك البخاري بعد سياقه للحديث (^٣).

(^١) مجموع الفتاوى (٢٨/ ٤٧٩).
(^٢) نفس المصدر السابق.
(^٣) صحيح البخاري (٤/ ٩٩). وقد تقدم.

1 / 248