16

مع المشككين في السنة

محقق

فاروق يحيى محمد الحاج

تصانيف

المبحث الأول كون السنة وحيًا من الله تعالى السنة وحي أوحاه الله تعالى إلى رسوله ﷺ، وتنزل بها الأمين جبريل ﵇ كما تنزل بالقرآن الكريم، غير أنه تنزل بالقرآن الكريم بلفظه ومعناه من الله تعالى، وأما السنة فتنزل بمعناها، وأما لفظها فمن النبي ﷺ، وقد دل على هذا قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم:٣ - ٤]. قال الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي في تفسيره في معنى هذه الآية: «أي: ما يقول قولًا عن هوى وغرض، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٤]، أي: إنما يقول ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملًا موفورًا من غير زيادة ولا نقصان» (^١)، ثم أورد بعض الأحاديث التي تدل على أن ما يقوله أو يفعله حق، وليس عن هوى أو غرض (^٢). وقال الإمام محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: «وفيها أيضًا دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل» (^٣). وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني: «أي: ما يصدر نطقه عن الهوى، لا بالقرآن ولا بغيره، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٤]، أي: ما هو الذي ينطق به إلا وحي من الله يوحيه إليه» (^٤). فهذه أقوال بعض أئمة التفسير تدل على: أن السنة من الوحي المنزل. وجزم بذلك بعض أئمة التابعين، وهو حسان بن عطية المحاربي الدمشقي، فقال: «كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، يُعَلِّمُهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ» (^٥).

(^١) تفسير القرآن العظيم لإسماعيل بن كثير الدمشقي "المشهور بـ: تفسير ابن كثير" (٧/ ٤٤٣). (^٢) نفس المصدر السابق. (^٣) الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أحمد القرطبي "المشهور بـ: تفسير القرطبي" (١٧/ ٨٥). (^٤) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني "المشهور بـ: تفسير الشوكاني" (٥/ ١٢٦). (^٥) سنن الدارمي، المقدمة، باب السنة قاضية على كتاب الله (١/ ٤٧٤)، رقم (٦٠٨)، والسنة لمحمد بن نصر المروزي (ص:٣٣)، رقم (١٠٢)، والإبانة الكبرى لابن بطة، باب ذكر ما جاءت به السنة من طاعة رسول الله ﷺ والتحذير من طوائف يعارضون سنن رسول الله ﷺ بالقرآن (١/ ٢٥٥)، رقم (٩٠)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائي، سياق ما روي عن النبي ﷺ في الحث على التمسك بالكتاب والسنة وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم والخالفين لهم من علماء الأمة ﵃ أجمعين (١/ ٩٣)، رقم (٩٩)، والمدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي، باب حجة من ذهب إلى أنه لم يسن إلا بأمر الله (١/ ٨٣)، رقم (١٦٢)، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله ﷺ في وجوب العمل ولزوم التكليف (ص:١٢). وقال ابن حجر عن سنده: «صحيح». فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٢٩١). وقال الألباني: «رواه الدارمي بسند صحيح عن حسان بن عطية، فهو مرسل». تحقيق كتاب الإيمان لابن تيمية للألباني (ص:٣٧). وفي رواية: «كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ ﵇ بِالسُّنَّةِ الَّتِي تُفَسِّرُ ذَلِكَ». جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر معلقًا -عن الأوزاعي عن حسان بن عطية-، باب موضع السنة من الكتاب وبيانها له (٢/ ١١٩٣)، رقم (٢٣٥٠).

1 / 17