لقد شام هذا البدر فيك رجاحة
عليه بميزان البها إذ تأملك
هوت كفة الميزان فيك إلى الثرى
وخفت به الأخرى فعلق بالفلك
وإذا رثينا لا نجد سبيلا لرثاء الفقيد إلا بذم الأحياء:
والموت نقاد على كفه
جواهر يختار منها الجياد
فالموت لم يخترك ولم يخترني بعد يا أخي، فلا أنا ولا أنت من الجياد، ولا هذه الملايين التي تصبح على وجه الأرض وتمسي. بل الجود كل الجود تحت التراب، ولا يمشي فوق التراب سوى كل زنيم خسيس ...!
أي لحق ما تقول، فليس كل ما ينظمه شعراؤنا من هذا النوع، لا سيما شعراء اليوم؛ فقد أخذوا يفتشون عن مصادر جديدة يستقون منها الإلهام. ويحضرني الآن بعض منها: الطيارات الكهربائية، الغازات المسممة، التلفون، الفونغراف، كرة الرجل أو «الفوتبول»، الاستقلال، حدائق الحيوانات، الديمقراطية، الاشتراكية ، إلخ ، إلخ. نعم نعم، هم ينظمون اليوم في مثل هذه المواضيع، وفي ذلك شاهد على أنهم سائرون مع العصر، لا وراءه؛ لذلك يدعونهم «عصريين»، اعتبر ذلك أيضا في دواوينهم، أولا ترى كيف يتفننون اليوم في طبعها؟
لقد كان واحدهم سابقا، يكتفي بنشر ديوانه مبوبا تبويبا محكما، أو مرتبا حسب أحرف الهجاء. أما اليوم فتأخذ الديوان، وتجد فيه عدا عن القصائد الشائقة العصرية رسوما، لا تترك عندك من شك في عبقرية الناظم. هناك رسمه وهو في العاشرة، ثم رسمه وهو في العشرين، ثم في الثلاثين، ثم رسم زوجته وأولاده، ورسم بيته، ورسوم أصحابه الذين رثاهم، ورسوم أقربائه الذين هناهم إما بمولود أو بمعمود أو بزفاف أو بعودة بعد غيبة.
صفحة غير معروفة