المجاز
إن مصداقية هذه النظرة التي ترى النصوص أشكالا من التلاعب البلاغي (القابل للتفكيك) - بصرف النظر عن مدى صدق نيتها - تستمد دعما كبيرا من الأطروحة الموروثة من نيتشه ومن قراءة أعمال أفلاطون، التي تزعم أن ما يبدو حرفيا في ثنايا اللغة (بما فيها الأجزاء الأكثر «واقعية» من روايات جورج إليوت) هو في الحقيقة مجازي. من الممكن قراءة الفلسفة والتاريخ (وهما مجالان لم يعد أي منهما يتميز بكونه خطابا حرفيا أو صادقا) وكأنهما أعمال أدبية والعكس صحيح. لا حاجة لنا بعد الآن إلى الإيمان بما هو حرفي (باعتباره شكلا ما من أشكال اللغة يشير إلى الواقع على نحو لا التباس فيه)؛ لأن كل ما يمكن اعتباره حرفيا قد يتضح كونه مجازيا عند تحليله بدقة أكبر.
لاقت هذه النظرة إلى اللغة بوجه عام قبولا متناميا لدى الكثير من علماء اللغويات، لا سيما تحت قيادة جورج لاكوف ومارك جونسون المثيرة للجدل، فهما يقران بتأثير دريدا على رؤيتهما التي تقضي بخضوع اللغة اليومية بأكملها لتنظيم المجاز، حتى إنهما يميلان كذلك إلى الدفع بأن النظرة «الموضوعية» فلسفيا للعالم هي نظرة واهية. حاولت تلك الفرضيات اللغوية إظهار أن عمليات التفكير اليومية لدينا تعتمد في الواقع على أنظمة مفاهيمية متشابكة قائمة على المجازات، التي لا يمكن اختزالها بأي صورة من الصور إلى لغة «أكثر حرفية»؛ ومن ثم من غير المرجح للغاية أن تتوافق توافقا بسيطا أو منهجيا بعضها مع بعض.
كانت الآثار الأخلاقية والسياسية التي ترتبت على هذا النوع من التحليل هي ما أثارت اهتمام بعد الحداثيين بوجه عام؛ فقد أكد التفكيكيون على أن جميع أنظمة التفكير، بمجرد أن نعتبرها مجازية، تؤدي لا محالة إلى تناقضات أو مفارقات أو مآزق أو «حالات ارتباك» حسب تعبير دريدا (وهو مصطلح بلاغي يعني سؤالا ارتيابيا). يرجع ذلك إلى اعتقاد أتباع دريدا أن الخصائص المجازية داخل أي نظام لغوي ستضمن دوما فشل اللغة فعليا في التحكم في الموضوع الذي تدعي توضيحه (أو السيطرة عليه).
جذبت تلك المناقشات عددا ضخما للغاية من النقاد الأدبيين في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، وحتى الآن؛ إذ إن هذا النوع من التفكيكية يعكس استراتيجية طليعية، متشككة، كاشفة للتناقض، في وسعها تقويض أسس أي نص وهدمه وتعريته، وتجاوزه، و«عكس تأثيره». وعلاوة على ذلك، فإنها تعبر عن تضمينات سياسية مثيرة، بما أنها أظهرت تفوق «رؤية التفكيكيين الثاقبة» التي مكنتهم من إدراك «جهل» النص غير المتعمد بالتناقضات التي يرمز لها. إن تفكيك قصيدة أو نص أو حوار يعني إبراز تشكيكه (فعليا) بشأن الفلسفة التي (يبدو أنه) يؤكد عليها أو المتناقضات الهرمية التي يعتمد عليها صراحة. ويأتي تأثير التفكيكية الأقوى عندما تعكس التناقضات التي كشفت عنها بهذه الطريقة أهمية أخلاقية أو سياسية.
فيما يلي مثال تقريبي على إحدى المعالجات التفكيكية، استنادا إلى جزء من قصيدة كتبها الشاعر تنيسون في شبابه عن:
إيزابيل المبجلة، الملكة المتوجة،
زهرة الشجاعة الأنثوية العظيمة،
الزوجة الكاملة والمرأة الوديعة الصافية.
2
صفحة غير معروفة