ويستأنف طه حسين نشاطه في العام الجديد وهو شديد الاهتمام، إلى جانب عمله الجامعي، بأمور الثقافة خارج الجامعة، فهو يقترح تأليف شعبة مصرية لمنظمة «جيوم بيديه» التي تقوم بنشر وترجمة تراث بلاد البحر الأبيض المتوسط الكلاسيكي، لتعمل الشعبة المصرية على نشر وترجمة التراث العربي كذلك، فتستجيب وزارة المعارف لطلبه، وهو شديد الاهتمام بعمله الجامعي، يخصص من وقته ساعات طويلة للإشراف على رسائل طلاب الدراسات العليا، ويرى ذلك واجبا من أحب واجباته إلى قلبه.
ورسائل الطلاب المتقدمين للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه تناقش عادة في كلية الآداب في المدرج الكبير، وبينما يمتلئ المدرج بالذين يتوافدون على الجامعة لشهود الامتحان في الأمسية التي تناقش فيها إحدى الرسائل، يجتمع الأساتذة الممتحنون في غرفة رئيس القسم، أو غرفة العميد إذا كان العميد سيشارك في لجنة الامتحان، وينضم إليهم أساتذة آخرون سوف يشهدون المناقشة مع الجمهور.
وإلى أن تحين ساعة مناقشة إحدى الرسائل التي أشرف عليها طه حسين، يجتمع بعض الأساتذة في غرفة العميد يتبادلون الحديث.
العميد يقول: «إن نظرة إلى ما يقدمه متخرجو هذه الكلية من البحوث تبين أن الكلية على حداثة سنها قد دفعت الأدب العربي وتاريخه دفعة قوية، إن الأدب العربي وتاريخه يدرسان الآن درسا يبعث فيهما الحياة والقوة، ويحبب فيهما القارئين والباحثين، ويحقق ما ينبغي لهما من الدقة وحسن الاستقصاء.»
ويقول الأستاذ أحمد أمين: «لقد تجاوز أثر كلية الآداب في هذا بيئتها الخاصة إلى بيئات أخرى.» فيقول طه حسين: «ليس من الغرور أن نسجل هذا كله مع الغبطة والسرور. على أن عمل هذه الكلية لم يكن كله سهلا ميسرا، وما أظن أنه سوف يكون في المستقبل - على الأقل المستقبل القريب - سهلا ميسرا.»
ويبتسم طه حسين ابتسامته الخفيفة، ثم يقول للأستاذ أحمد أمين: «هل تذكر كيف أرادوا إغراءك بترك هذه الكلية وتعيينك أستاذا مساعدا للشريعة في كلية الحقوق؟»
ويسرع الأستاذ أحمد أمين بالرد يقول: «استشرت زملائي هنا فأشار علي منصور فهمي وأمين الخولي بالقبول، وأشار عزام بالرفض، وكتبت إليك وأنت في الخارج أسألك الرأي والنصيحة، وأحسست من ردك أنك غضبت، فاعتذرت أنا فورا عن منصب الأستاذ المساعد الذي يغضبك، وبقيت في الكلية في منصب المدرس الذي يرضيك.»
ويلتفت طه حسين إلى الأستاذ عبد الحميد العبادي ويقول: «وأنت هل تذكر كيف كانوا يغرونك أنت أيضا بترك الكلية يا عبد الحميد؟»
ويقول الأستاذ عبد الحميد العبادي: «وكيف أنسى ذلك وكانوا يعرضون منصبا إداريا من الدرجة الثالثة لا ييأس شاغله من الثانية؟ وقد كتبت لك أقول إنها لفتنة لمن كان أبا لأولاد يوشكون أن يكونوا خمسة، لكنك رددت علي فذكرت الكلية وذكرت خدمة العلم وذكرت الصداقة، وقلت أنا إن الكلية لها رب يحميها كما حمى الكعبة من قبل، أما خدمة العلم والصداقة فآه ثم آه، وعرفت أنك غضبت، فنسيت الأولاد الخمسة، ونسيت الدرجة الثالثة والثانية، ولو كانت الأولى أيضا نسيتها.»
ويقول العميد: «وعزام؟ هل تذكر يا عبد الوهاب ترشيحك للخارجية؟»
صفحة غير معروفة