21
شكل 2-8: نقش على الفخار - تل حلف.
شكل 2-9: نقش على الفخار - إريدو السومرية.
ومنذ أن تعلم الإنسان النيوليتي صناعة الجرار الفخارية، انضم الإناء الفخاري إلى جملة رموز الأم الكبرى؛
22
ذلك أن الجسد الأنثوي هو أشبه بالوعاء السحري الذي يتحول في داخله الدم إلى حليب يتفجر من فوهة الثدي، وبالمستودع الذي تختمر في ظلماته بذور الحياة لتنطلق من بوابة الرحم. وجسد الأنثى الكونية هو الجرة الفخارية التي تحتوي على نعم الحياة وأسبابها ثم تطلقها نحو الخارج. وقد انتقلت تقاليد صناعة الجرار المقدسة من العصور النيوليتية التي حفلت بها إلى عصور الكتابة، وتعددت أنماط صياغتها ومعظمها يعير الجرة المقدسة الأثداء الأنوثية التي هي مركز العطاء في جسد المرأة؛ فقد تصنع الجرة على هيئة جسم كروي ذي عنق قصير، يليه ثديان وسرة واضحة، أو على هيئة كتلة مؤلفة من أربعة أثداء متقابلة، أو جسم تطاول في أعلاه ثديان عند الصدر، تليهما عشرات الأثداء التي تغطي الجسم كله. وقد تزين السرة بصليب عادي أو سواستيكا (صليب معكوف). والسرة هنا ذات قيمة رمزية كبيرة؛ لأن سرة عشتار هي مركز الكون، ومعبدها هو سرة الأرض. وفيما بعد صار لرمز السرة الإلهية هذا شأن في الديانات الذكرية؛ حيث صار كل شعب ينظر إلى معبد إلهه الرئيسي على أنه سرة الأرض. كذلك كان معبد أبولو في دلفي سرة الأرض بالنسبة لليونان، وهيكل سليمان في أورشليم بالنسبة للعبرانيين، والكعبة بالنسبة للعرب. هذا ونجد عشتار نفسها في العديد من رسومها ومنحوتاتها تحمل بيدها جرة فخارية يميل عنقها قليلا نحو الأمام؛ من ذلك التمثال المعروف باسم ربة الينبوع المحفوظ في متحف مدينة حلب، والذي يمثل عشتار مدينة ماري السورية. ويعتبر هذا التمثال أحد أجمل الأعمال الفنية التي تركتها الحضارات القديمة.
شكل 2-10: الجرة المقدسة - طروادة 1200ق.م.
شكل 2-11: الجرة المقدسة - كريت 1300ق.م.
وقد كان للقيمة الرمزية للجرة الفخارية أثر في تكوين بعض عادات الدفن؛ ففي فلسطين تم العثور على جرار فخارية استعملت كتوابيت للموتى منذ الألف الخامس قبل الميلاد، حيث تكورت الهياكل العظمية على نفسها متخذة وضعية الجنين في رحم أمه. فالجرة الفخارية هي الرحم الذي يطلق الإنسان إلى الحياة، والرحم الذي يستعيده إليه ثانية بعد الممات. كما شاعت عادة دفن الموتى أو دفن رمادهم في الجرار، وذلك في مناطق كثيرة خلال العصر البرونزي؛ منها جزر بحر إيجه، وآسيا الصغرى، وإيطاليا، ومناطق متعددة من أوروبا. ونجدها أيضا في أمريكا الجنوبية .
23
صفحة غير معروفة