وأحيانا كالأخت الكبرى بين الموريات الثلاث،
19
أما في بلاد الرافدين فنرى نجمة عشتار تتوسط إلهات القدر الثلاث وهن يعتلين صهوة الثور.
20
وفي كل ذلك إشارة إلى أن هذا النوع من التثليث الأنثوي لا يشكل ذواتا مستقلة لها كيانها الألوهي الخاص، بل هو تجسيد لخصائص عشتار المثلثة، فهن لا يظهرن إلا معا ولا يعملن إلا معا، ولا تملك أي منهن شخصية واضحة وسيرة منفصلة.
شكل 8-1: الموريات الثلاث - نقش روماني.
وكسيدة للحكمة الليلية الخافية، كانت عشتار أيضا سيدة للإلهام الذي ينير نفوس الشعراء والفنانين، فكانت راعية للفنون والآداب والشعر؛ ذلك أن الفنون بشتى ألوانها تمنح من مصادر الحكمة الليلية، لا من مصادر الحكمة الشمسية التي تصدر عنها العلوم. والفنان المبدع إنما يغلق بوابات الصحو ويفتح بوابات المحو، فيسلم نفسه للرؤى والخيالات النابعة من دخيلته المعتمة، لا من رشده النقدي اليقظ. وهنا يظهر الحضور العشتاري مرة أخرى على هيئة إلهات ثلاث، هن مصدر الإلهام ومنبع الإبداع الفني والأدبي بشتى صوره وأشكاله، حكمة الأنثى المتدفقة من نبع الأم الكبرى الصاعد من أعماق اللاشعور. من هذه الثواليث العشتارية النعم الثلاث (=
Graces ) والميوز الثلاث. كانت النعم الثلاث مرافقات لأفروديت وهن اللواتي كن يشرفن على زينتها كلما أرادت أن تبدو في أكثر أشكالها بهاء وإغراء، كما كن مسئولات عن تفتح الأزهار والبراعم في الربيع ونضج الثمار في الصيف. اسم الأولى أجلايا، أي المتألقة، والثانية تالايا، واهبة الأزهار، والثالثة أفروزينا، مسرة القلوب. تصورهن الأعمال التشكيلية عرايا تضع كل منهن يدها على كتف الأخرى.
21
أما الميوز الثلاث فهن عرائس الشعر والموسيقى، وربات للينابيع والذاكرة، يظهرن في الأساطير الإغريقية أحيانا كثلاث في العد، وأحيانا كتسعة. وتظهرهن الأعمال التشكيلية على هيئة حسان لابسات أردية طويلة، مبتسمات أو مستغرقات في التأمل. وتشير أسماؤهن التسعة إلى توزيع الاختصاصات بينهن؛ فواحدة للتاريخ، وثانية لآلة الفلوت الموسيقية، وثالثة لأشعار الحب، والرابعة للتنجيم ...
صفحة غير معروفة