ويقولون: أفاض القول في هذا المعنى؛ أي: توسع فيه وتبسط، وهذا الفعل لا يستعمل متعديا، وإنما يقال: أفاض القوم في الحديث: إذا اندفعوا فيه وخاضوا وأكثروا. وأصله من قولهم: أفاضوا من الموضع إذا اندفعوا بكثرة.
ويقولون: هذا أمر مثبوت؛ أي: ثابت أو مثبت، وهو من تعبيرات العامة؛ لأنهم لا يكادون يفرقون بين فعل وأفعل، بل الغالب في كلامهم الاقتصار على فعل المجرد يميزون بين اللازم منه والمتعدي بالحركة، وهذا من أعظم مزال الخاصة لكثرة هذه الأفعال واشتهارها حتى لا يكاد يداخلهم ريب في صحتها. وقد استدرج بها أناس من متقدمي الكتاب، كما وقع لأبي الفداء؛ حيث يقول في مقدمة تاريخه: وأما التوراة العبرانية فهي أيضا مفسودة، وكما في قوله في هذه المقدمة؛ فصار المثبوت في الجدول كذا كذا سنة مع أنه يقول في السطر الذي قبله، وهو الذي اخترناه وأثبتناه في جدولنا هذا. وفي كلام لسان الدين بن الخطيب عند ذكر الغارة على جيان: فقللنا ثانية غربها، وجددنا كربها، واستوعبنا حرقها وخربها، وإنما يقال: أخرب المكان أو خربه بالتثقيل، ولا يقال: خربه بالمجرد. ولأبي عبد الله بن الحجاج؛ رواه له صاحب خزانة الأدب:
خرقت صفوفهم بأقب نهد
مراح السوط متعوب العنان
والصواب متعب. ومثله قول منذر بن سعيد من شعراء الأندلس:
لا تعجبوا من أنني كنيته
من بعد ما قد سبنا وأذانا
يريد آذانا بالمد. وربما تعدى ذلك إلى أفعال لم تجر على ألسنة العامة كما في بيت ابن معتوق المشهور:
خفرت بسيف الغنج ذمة مغفري
وفرت برمح القد درع تصبري
صفحة غير معروفة