كما يقال: إن حدث هذا، وإذا حدث هذا. ومنها ما يفيد الاحتمال مع الفرض والتقدير، وقد يفيد الامتناع حين تستخدم «لو» في مواضعها، ومنها ما يفيد الشرط المعلق على توقيت منتظر أو متفق عليه كالشرط ب «متى»، ومنها ما يربط السببية أو النتيجة العقلية على الإطلاق الذي لا يتقيد من الأزمان ك «مهما» وأيان وأنى، وك «لو» في بعض الأحوال.
أما النفي ففيه دقة وقصد يدل على جملة قواعد القصد في اللغة العربية.
فالنفي ب «لم» مقصور على نفي الحدوث وهو بالبداهة لا يكون إلا لزمن ماض؛ لأننا لا نتكلم عن شيء حدث قطعا أو لم يحدث قطعا، إلا إذا كان الكلام على ما مضى ... ولهذا تقصد اللغة فلا تحول الفعل من صيغة المضارع إلى صيغة الماضي بعد لم. ويقول العربي: ما حدث هذا ولا يقول: لم حدث هذا؛ لأن «ما» تدخل على المضارع فتفيد نفي «الانبغاء» لا نفي الحدوث ... ومن قال: «ما يحدث هذا» فإنه يعني أن هذا لا ينبغي أن يحدث ولا يعقل أن يحدث ... وقد يلاحظ هذا على الفعل الماضي الذي تسبقه «ما» ... فإن نفي الوقوع هنا لا يخلو من نفي الانبغاء، ومن قال مثلا: «ما فاه فلان بهذا الكلام»، فكأنه يقول: «حاشاه أن يفوه به»، وهذا هو الفارق بين «لم» التي لا تحتاج إلى الفعل الماضي فإنها ماضية قطعا وبين «ما» التي تدخل على الماضي والمضارع؛ لأنها تدل على جانب معنى الوقوع على نفي الشيء؛ لأنه لا ينبغي أو لا يعقل أو لا يقع في الحساب.
أما إذا نفى الحدوث مع انتظاره في المستقبل فصيغة المستقبل هنا لازمة؛ ولهذا يقول العربي: «لما يحدث هذا» وهو يترقب أن يحدث بعد قليل أو كثير.
وهذا القصد في تحويل صيغة الفعل لا يأتي جزافا فيما نرى؛ لأنه يتكرر حيثما اقتضاه المعنى، فنقول مثلا: إن حدث هذا، وإذا حدث هذا، ومتى حدث هذا؛ لأن الاستقبال مفهوم بالبداهة ولا حاجة إليه في اللفظ، وليس هذا لعجز أو لنقص في التصريف؛ لأن الفعل المضارع موجود، ويجوز استعماله مع الشرط في بعض الأحوال لمن شاء.
وإذا دخلت أداة نفي على الفعل المضارع، فهي في حقيقتها مانعة للحدوث لا نافية للحدوث، ومن قال: «لن يئوب القارظان» و«لن تشرق الشمس من المغرب»، فهو يقرر امتناع ذلك لسبب عنده قاطع يمنعه، وليس هذا من قبيل النفي في الصيغ الماضوية.
والمهم في جميع هذه الملاحظات أن الفعل يتأثر بموقعه من الأداة النافية ومعناها، فليس هو منقطعا عن العلاقة الزمنية بل هو متأثر بها في لفظه ومعناه ... «فلم يفعل» غير «لن يفعل» وغير «ما يفعل»، وهو اختلاف يدل على ارتباط العلاقة الزمنية بعلاقة الإعراب، وإن تعذر تعليله من ناحية الإعراب كما يتعذر مثل ذلك في جميع اللغات. •••
على أن اللغات التي تتكلم بها في أرقى الأمم لم تشتمل على تصريفات، أو صيغ مصطلح عليها للدلالة على الزمن خلت منها اللغة العربية أو من نظائرها، وإنما ترد الشبهة على بعض النقاد الغربيين من وجود عناوين للأزمنة المعلقة عندهم لا توجد لها نظائر في اللغة العربية، وهذه الأزمنة المعلقة هي التي يفرض حدوثها فيما مضى، أو ما يلي في حالات مشروطة أو متخيلة، ولكنها ليست قاطعة ولا منتهية إلى نهاية حاسمة، وهذه الأزمنة المعلقة يعبرون عنها في بعض اللغات الأوروبية بالأفعال المساعدة مع الفعل أو اسم الفاعل أو اسم المفعول، ويحكيها في اللغة العربية أنه تقول مثلا عن أحد معروف أو مفروض: «لعله يكون مصورا كبيرا لو نشأ قبل عصره»، أو «لعله يكون في مثل هذه الأحوال قد نجح لو نشأ بعد حين» أو «في مثل هذه الساعة من الغد يكون قد حضر أو يكون حاضرا ... إلى أشباه هذه التعبيرات التي يسهل استخدامها في اللغة العربية كما رأينا، وليست هي في اللغات الأخرى مخصصة بوضع أصيل من أوضاع التصريف والاشتقاق، ولكنها تعبيرات طارئة تتيسر محاكاتها عندنا في كل معنى من معانيها.
وقد يأتي التعبير مخالفا لقصد القائل مع استعمال الفعل المساعد في أشيع اللغات الأوروبية كما يظهر من ترجمة هذه الجملة العربية: «قلت له أمس: إنني سأذهب غدا»، فإنهم يترجمونها بالإنجليزية:
I said to him yesterday I should go tomorrow .
صفحة غير معروفة