فلما انقضت تلك البغتة وتكاثرت المدارس ونشأ الكتاب وعلماء اللغة، عادوا إلى النظر فيما دخل اللغة من المصطلحات العلمية أو الإدارية الجديدة، وقلما استطاعوا تبديل شيء منه لتأصله وشيوعه في الكتب والجرائد والأندية وغيرها. على أنهم لم يعدموا وسيلة في إصلاح الإنشاء والرجوع بعباراتهم إلى نحو ما كانت عليه في صدر الدولة العربية، لأنهم تحدوا فطاحل الكتاب في تلك العصور مع مراعاة الذوق والسهولة، فنبغ بيننا كتاب لا يفضلهم ابن المقفع ولا ابن خلدون ولا غيرهما من صفوة الكتاب وعمدة المنشئين في شيء، وقد أغفلوا السجع البارد وقللوا من الإطناب وأبطلوا المترادف، وهم عاملون على تنقية اللغة مما خالطها من الأجماش والأدران وما أصابها من الضعف في عصر الانحطاط. وإذا تدبرت لغة الكتاب والمنشئين في أول هذه النهضة وقابلتها بلغة كتابنا اليوم رأيت الفرق كبيرا، وتوقعت أن تعود إلى أسمى ما بلغته من درجات الكمال في عصر زهوها وشبابها.
على أننا لا نظنهم مع ذلك قادرين على تنقيتها مما داخلها من الألفاظ والتراكيب الأعجمية، أو مما تولد فيها من الألفاظ العربية الجديدة على ما اقتضاه التمدن الحديث من العادات الجديدة والآداب الجديدة والعلوم الجديدة. وقد دثر من اللغة كثير من الاصطلاحات القديمة وقام مقامها مصطلحات جديدة، شأن الكائنات الحية الخاضعة لناموس الارتقاء.
فالتغيير الذي أصاب اللغة العربية في النهضة الأخيرة قد أصاب ألفاظها وتراكيبها، وبعضه دخلها من اللغات الأجنبية والبعض الآخر تولد فيها بالتنوع والتفرع. وللإحاطة بالموضوع نقسم الكلام فيه إلى قسمين، نبحث في القسم الأول عن الدخيل وفي القسم الثاني عن المولد. (1) الدخيل
يقسم الدخيل في اللغة العربية في أثناء هذه النهضة إلى أربعة أقسام: (أ) الألفاظ الإدارية. (ب) الألفاظ التجارية. (ج) الألفاظ العلمية. (د) التراكيب الأجنبية. (1-1) الألفاظ الإدارية الدخيلة
أكثر هذه الألفاظ من مصطلحات الدولة العلية، وأكثرها تركي وفارسي. وقد ذكرنا أمثلة منها في كلامنا عما دخل اللغة في عصر التدهور. وبعض تلك الألفاظ أخذ من اللغات الإفرنجية، وخاصة اللغتين الإيطالية والفرنسية، وهي:
الألفاظ الإدارية التركية
لفظها الأصلي
معناها
سنجق
سنجاق
صفحة غير معروفة