وألحقوا أمارة الإنكار به = كعكسه لنكتة لم تشتبه أقول تقدم أن إخراج الكلام على الوجوه المتقدمة إخراج على مقتضى الظاهر، وقد يخرج الكلام على خلافه، فيؤتى بمؤكد استحسانا لخالي الذهن إذا قدم إليه ما يلوح بالخبر فيستشرف له استشراف المتردد الطالب نحو ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك، فهذا الكلام يلوح بالخبر، ويشعر بأنه قد حق عليهم العذاب، لأن النهي مشوف للنفس عادة إلى طلب السبب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكوما عليهم بالإغراق أم لا؟ فقيل: إنهم مغرقون بالتأكيد وهذا معنى قوله: واستحسن البيت والضمير في له للمخاطب وقوله كسائل أي كطالب في المنزلة أي منزلا له منزلة الطالب للخبر، ويجعل المقر كالمنكر إذا ظهر عليه شيء من أمارات الإنكار، فيؤكد له الكلام تأكيد المنكر نحو:
جاء شقيق عارضا رمحه = إن بني عمك فيهم رماح
فشقيق لا ينكر أن في بني عمه رماحا لكن مجيئه واضع الرمح على العرض من غير التفات وتهيؤ أمارة أنه يعتقد أن لا رمح فيهم بل كلهم عزل: أي لا سلاح معهم، فنزل منزلة المنكر، وأكد له الخطاب، وهذا معنى قوله: وألحقوا أمارة الإنكار به، أي بالإنكار: أي ألحقوا عدم الإنكار المصاحب لأمارة الإنكار بالإنكار، وقوله كعكسه: أي جعل المنكر كالمقر إذا كان معه دلائل وشواهد لو تأملها ارتدع عن إنكاره، فلا يؤكد له، وهو المراد بقوله: لنكتة لم تشتبه، كقولك لمنكر الإسلام: الإسلام حق بلا تأكيد لأن مع المنكر دلائل دالة على حقيقة الإسلام، وأما تمثيل الأصل بقوله تعالى لا ريب فيه، فليس من هذا القبيل بل تنظير للمسألة بتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه بناء على وجود ما يزيله فإنه نزل ريب المرتابين منزلة عدمه تعويلا على ما يزيله، حتى صح نفي الريب على سبيل الاستغراق كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك حتى صح ترك التأكيد .
قال:
صفحة ٣١