اللباب في الفقه الشافعي
تأليف: القاضي أبي الحسن أحمد بن محمد بن أحمد الضبي المحاملي الشافعي المتوفي سنة ٤١٥هـ
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: د/ عبد الكريم بن صنيتان العمري
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن خزائن المكتبات في مختلف أنحاء العالم لا تزال تزجر بعشرات الآلاف من المخطوطات الإسلامية، التي خلفها علماؤها الأخيار، وسطروا فيها إبداعهم، وملئوها بشتى أنواع العلوم والمعارف، وهي الثروة التي تركوها وراءهم، والتي لا تزال الأجيال المتلاحقة التي أتت بعدهم تشهد لأولئك العلماء بالمنزلة المرموقة التي وصلوا إليها في العلم والتأليف والكتابة.
واليوم أقدم لك أخي القارئ واحدا من تلك الكتب التي بقيت حبيسة في المكتبات قرونا عدة، ويشاء الله تعالى أن لا يخرج هذا الكتاب إلا بعد ألف عام من وفاة مؤلفه رحمه الله تعالى.
هذا الكتاب الذي بين يديك، يعد واحدا من أهم مصادر الفقه الشافعي المتقدمة، والتي اعتمد عليها فقهاء الشافعية، ومصنفوهم في كتابة مؤلفاتهم، فأخذوا عن هذا الكتاب، واقتبسوا منه، وأفادوا منه إفادة كبيرة.
إن كتاب [اللباب] للعلامة أبي الحسن أحمد بن محمد بن أحمد المحاملي الشافعي المتوفى سنة (٤١٥هـ)، حوى كثيرا من المسائل الفقهية، والقواعد، والضوابط والفروق، والاستثناءات وغيرها من الفنون، فهو كتاب شامل لجميع
1 / 3
أبواب الفقه، بأساليب متنوعة، تجذب القارئ إلى الاستفادة منه، ومواصلة البحث في ثناياه عن مسائل قد لا يجدها في غير هذا الكتاب.
ويعلم الله – تعالى – مدى الجهد الذي بذلته في تحقيق هذا الكتاب، لكن عون الله تعالى وتوفيقه هو الذي دفع بي إلى مواصلة تحقيقه وإكماله إلى آخره، ولو اعتمدت على جهدي المقل، وفهمي القاصر لما حققت بابا من أبوابه، ولكن كما قيل:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
فأشكر الله تعالى على ما أمدني به من العون والتوفيق حتى أتممت تحقيق هذا الكتاب، فإن كنت قد وفقت إلى الصواب فذلك بفضل الله تعالى وكرمه أولا وآخرا، وإن كان غير ذلك فحسبي أني بذلت جهدي، وأسأل الله تعالى العفو عن الزلات، والصفح عن الهفوات، إنه قريب مجيب الدعوات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
كتبه: أفقر العباد، إلى الملك الجواد
عبد الكريم بن صنيتان بن خليوي العمري الحربي المدينة المنورة – ص. ب: ٨٩
1 / 4
القسم الدراسي
الفصل الأول: حياة المصنف
مصادر ترجمة المصنف
...
مصادر ترجمة المصنف:
وردت ترجمة المصنف أبي الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي في مصادر كثيرة من أهمها:
طبقات الشافعية للعبادي ٧٢
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٤/٣٧٢
طبقات الفقهاء للشيرازي ١٣٦
الأنساب للسمعاني ٥/٢٠٩
المنتظم لابن الجوزي ٨/١٧
الكامل لابن الأثير ٩/٣٤١
طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٦
تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢/٢١٠
وفيات الأعيان لابن خلكان ١/٧٤
سير أعلام النبلاء للذهبي ١٧/٤٠٣
العبر في خبر من غبر. له أيضا ٢/٢٢٨.
الوافي بالوفيات للصفدي ٧/٣٢١
مرآة الجنان لليافعي ٣/٢٩
طبقات الشافعية لابن السبكي ٤/٤٨
طبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢
البداية والنهاية لابن كثير ١٢/١٩
طبقات الشافعية. له أيضا ١/٣٦٩
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ١/١٧٤
1 / 9
النجوم الزاهرة لابن تغري بدري ٤/٢٦٢
طبقات الشافعية لابن هداية الله ١٣٢
كشف الظنون الظنون للحاج خليفة
شذرات الذهب لابن العماد ٥/٧٧
هدية العارفين لإسماعيل باشا ١/٧٢
الأعلام للزركلي ١/٢١١
معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ٢/٧٤
تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين ١/٣/٢٠٨
1 / 10
المبحث الأول: اسمه، نسبه، ومولده
...
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده
اسمه ونسبه: هو أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي، المحاملي، البغدادي، الشافعي١.
وكنيته: أبو الحسن٢.
والضَّبِّي: بفتح الضاد المعجمة، وتشديد الباء الموحدة؛ نسبة إلى ضَبَّة ابن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر. وهو جد جاهلي، تنسب إليه (بني صبَّة)، وهي قبيلة كبيرة مشهورة٣.
والمحاملي: بفتح الميم الأولى والحاء المهملة، وكسر الميم الثانية واللام؛ نسبة إلى المَحَامِل جمع مَحْمِل كمجلس، وهي: التي يحمل عليها الناس على الجمال في السفر إلى مكة وغيرها، وذلك لأن بعض أجداد المصنف كان يبيع هذه المحامل ببغداد، فنسبت هذه الأسرة إلى تلك المهنة٤
_________
١ وفيات الأعيان ١/٧٤، طبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢، البداية والنهاية ١٢/١٩، طبقات الشافعية لابن كثير ١/٣٦٩، النجوم الزاهرة ٤/٢٦٢.
٢ المصادر السابقة.
٣ جمهرة أنساب العرب ١٩٢، الأنساب للسمعاني ٤/١٠، الوفيات ١/٧٥.
٤ الأنساب، والوفيات. الصفحات السابقة، الوافي ٧/٣٢١، مرآة الجنان ٣/٢٩، القاموس ٣/٣٧٢.
1 / 11
البغدادي: نسبة إلى مدينة (بغداد) حيث ولد وعاش ومات فيها١.
الشافعي: نسبة إلى مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي، حيث برع المصنِّف في الفقه الشافعي وكتب فيه عدة مصنفات٢.
مولده: ولد المَحَامِلي بمدينة (بغداد) سنة ثمان وستين وثلاثمائة للهجرة٣.
_________
١ تاريخ بغداد ٤/٣٧٢.
٢ طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٦، ولابن السبكي ٤/٤٨، ولابن قاضي شهبة ١/١٧٤.
المبحث الثاني: نشأته في أسرة علمية نشأ المصنف – ﵀ – في بيئة علمية متميزة، ساعدته في تكوين شخصيته العلمية، وظهور مواهبه، وسرعة نبوغه ونجابته، فهو ينتسب إلى أسرة (المَحَامِلي)، وهي أسرة اشتهرت بتفوقها العلمي، قد ألفت المرابطة في حلقات العلم، ولازمت مجالس التعليم، واستأنست بمرافقة العلماء، وآثر أفرادها الانتساب إلى حلقات التدريس والإفتاء التي كانت تغص بها مساجد ومدارس بغداد، قد ارتوت جذور هذه الأسرة بالعلوم الشرعية، ونمت أغصانها على ذلك، وترعرعت يانعة نديَّة، تحمل بين جوانحها أنواع العلوم، وأصناف المعارف، فتألقت، وارتفعت، وعلا شأنها، وذاع صيتها، وسجَّل التاريخ أخبارها وسيرتها ومسيرتها في رحلة التعليم الطويلة، إذ أسهمت هذه الأسرة في بث الوعي _________ ١ تاريخ بغداد ٤/٣٧٢. ٢ طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٦، ولابن السبكي ٤/٤٨، ولابن قاضي شهبة ١/١٧٤. ٣ المصادر السابقة، وطبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢.
المبحث الثاني: نشأته في أسرة علمية نشأ المصنف – ﵀ – في بيئة علمية متميزة، ساعدته في تكوين شخصيته العلمية، وظهور مواهبه، وسرعة نبوغه ونجابته، فهو ينتسب إلى أسرة (المَحَامِلي)، وهي أسرة اشتهرت بتفوقها العلمي، قد ألفت المرابطة في حلقات العلم، ولازمت مجالس التعليم، واستأنست بمرافقة العلماء، وآثر أفرادها الانتساب إلى حلقات التدريس والإفتاء التي كانت تغص بها مساجد ومدارس بغداد، قد ارتوت جذور هذه الأسرة بالعلوم الشرعية، ونمت أغصانها على ذلك، وترعرعت يانعة نديَّة، تحمل بين جوانحها أنواع العلوم، وأصناف المعارف، فتألقت، وارتفعت، وعلا شأنها، وذاع صيتها، وسجَّل التاريخ أخبارها وسيرتها ومسيرتها في رحلة التعليم الطويلة، إذ أسهمت هذه الأسرة في بث الوعي _________ ١ تاريخ بغداد ٤/٣٧٢. ٢ طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٦، ولابن السبكي ٤/٤٨، ولابن قاضي شهبة ١/١٧٤. ٣ المصادر السابقة، وطبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢.
1 / 12
الديني، ونشر العلم الشرعي وتبليغه.
يقول ابن الصلاح١ في وصف هذه الأسرة: "بيت النبل والجلالة، والفضل، والفقه، والرواية".
ويقول ابن السبكي٢: "بيت الفضل والجلالة، والفقه والرواية".
وقد برز أفراد هذه الأسرة، واشتهروا، وتقلد عدد من أفرادها مناصب مرموقة في التدريس والإفتاء، والخطابة والقضاء، والإمامة والرواية، وغير ذلك من المناصب العلمية البارزة.
ومن أشهر علماء هذه الأسرة وأعلامها:
١- ولد المصنِّف.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الصبي، المحاملي، أبو الفضل ولد سنة [٤٠٠هـ]، وتتلمذ على والده، وتفقه به، وكان فقيها، عالما بالتفسير، والحديث، ذكيا، وكانت له حلقة أيام الجمع بجامع القصر ببغداد يُقرأ عليه فيها التفسير والحديث، ولم يُنقل عنه إلاَّ اليسير؛ لأنه ترك العلم، وأقبل على الدنيا، مات في شهر رجب سنة (٤٧٧هـ) ٣.
٢- حفيده.
يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، المحاملي، أبو الطاهر، كان فقيها كبيرا، ورعا، كثير العبادة، له مصنف في الفقه، أقام بمكة المكرمة أكثر من خمسين عاما، مات بها في جمادى الآخرة سنة (٥٢٨هـ)
_________
١ طبقات ابن الصلاح ١/٣٦٦.
٢ طبقات ابن السبكي ٤/٤٨.
٣ المنتظم ٦/١٣، طبقات ابن الصلاح ١/٩٨، الوافي ٢/٨٦، طبقات الأسنوي ٢/٢٠٢.
٤ طبقات ابن السبكي ٧/٣٣٥، والأسنوي ٢/٢٠٣، وابن قاضي شهبة ١/٣١٤.
1 / 13
٣- والده.
محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي، المحاملي، أبو الحسين البغدادي، من كبار فقهاء الشافعية، ولد سنة (٣٣٢هـ)، حفظ القرآن، والفرائض، ودرس الفقه على مذهب الشافعي، وكتب الحديث، وكان ثقة صادقا خيّرا فاضلا، من مصنفاته: (تفسير النبي ﷺ، مات في رجب سنة (٤٠٧هـ) ١.
٤- أجداده.
(أ) - إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الضبي، المَحَامِلي، جدُّ جدِّ المصنف، ووالد القاضي أبي عبد الله الحسين المحدث المشهور.
سكن بغداد، وتتلمذ عليه كثير من محدثيها، روى عنه ابناه الحسين والقاسم شيئا يسيرا٢.
(ب) - القاسم بن إسماعيل بن محمد الضبي، المَحَامِلي، أبو عبيد، جدُّ والدِ المصنف، ولد سنة (٢٣٨هـ)، كان من أهل الحديث والعلم، ثقة صدوقا، مات ببغداد في شهر رجب سنة (٣٢٣هـ) ٣.
(ج) - أحمد بن إسماعيل بن إسماعيل بن محمد الضبي، المَحَامِلي، أبو الحسن، جدُّ المصنف لأبيه، سمع من أبيه، وصنف وذاكر بالحديث، ومات سنة (٣٣٧هـ)
_________
١ تاريخ بغداد ١/٣٣٣، طبقات الأسنوي ٢/٢٠٣، هدية العارفين ٢/٦٠.
٢ تاريخ بغداد ٦/٢٨٠.
٣ تاريخ بغداد ١٢/٤٤٧، الأنساب ٥/٢٠٨، العبر ٢/٢٠، شذرات الذهب ٤/١٢٤.
٤ تاريخ بغداد ٤/٣٥٢، طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٦، وللأسنوي ٢/٣٠٢.
1 / 14
(د) - جدَّتُه:
هي أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، جدة المصنف، اسمها: ستيتة، كانت عالمة فاضلة من أحفظ الناس للفقه، وحفظت القرآن، والفرائض، والحساب، والعربية وغير ذلك من العلوم، وكانت تفتي، كثيرة الصدقة والمسارعة إلى الخيرات. ماتت في شهر رمضان سنة (٣٧٧هـ) ١.
٥- أخوه:
عبد الكريم بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، المحاملي، أبو الفتح، أخو المصنف، كتب عنه الخطيب البغدادي، ووثقه. مات في شهر المحرم سنة (٤٤٨هـ) ٢.
٦- عمُّ جدِّه:
الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي، المحاملي، القاضي أبو عبد الله البغدادي الشافعي، العلامة، الحافظ، شيخ بغداد ومحدثها وفقيهها، ولد سنة (٢٣٥هـ)، وكان فاضلا، دينا، صادقا، ثقة، ولي قضاء الكوفة ستين سنة، وكان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل يكتبون عنه. من مصنفاته (الدعاء)، (الأمالي) مطبوعان، (كتاب السنن)، (كتاب صلاة العيدين) . مات في شهر ربيع الآخر سنة (٣٣٠هـ) ٣.
_________
١ تاريخ بغداد ١٤/٤٤٢، مرآة الجنان ٢/٤٠٧، العبر ٢/١٤٩، طبقات الأسنوي ٢/٢٠٤.
٢ تاريخ بغداد ١١/٨١، الأنساب ٥/٢١٠.
٣ سير أعلام النبلاء ١٥/٢٥٨، البداية والنهاية ١١/٢١٦، الشذرات ٤/١٧٠.
1 / 15
٧- ابن ابن عم جده:
أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل الضبي، المحاملي، أبو عبد الله ولد في رمضان سنة (٣٤٣هـ)، سمع عددا من مشايخ بغداد، وسماعه صحيح، روى عنه الخطيب البغدادي وغيره. مات ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة (٤٢٩هـ) ١.
_________
١ تاريخ بغداد ٤/٢٣٨، الأنساب ٥/٢٠٩.
المبحث الثالث: شيوخه ولد المحاملي في الوقت الذي كانت فيه بغداد تشهد حركة علمية مزدهرة، ونهضة تعليمية نشطة، إذ كانت المساجد عامرة بحلقات العلوم الشرعية، والمدارس تغص بالتلاميذ الذين توافدوا من كل حدب وصوب، ينهلون من مختلف العلوم، ويتلقون من أساتذتهم أصناف الفنون والمعارف؛ من تفسير، وفقه، وحديث، ولغة، وغير ذلك، فقد برز في تلك الحقبة من الزمن الجهابذ من العلماء، وفحول الشيوخ الأتقياء، يدفعهم حب العلم، والإخلاص لله تعالى إلى بثة ونشره، لا مقصد لهم إلا طلب الثواب من الله تعالى، ورجاء مغفرته ورضوانه، وقد اعتلى قمة الإفتاء والتدريس في تلك الفترة أعلام اشتهروا، وحفظ التاريخ أسماءهم؛ من أمثال أبي الحسن القصار المالكي، وأبي محمد الخوارزمي الشافعي أحد الأئمة الفقهاء أصحاب الوجوه، وأبي عبد الله الحناطي الشافعي، وابن اللباب الفقيه الشافعي المشهور، وأبي عبد الله الحسن بن حامد شيخ الحنابلة، وأبي عبد الله الحاكم المحدث العلم،
المبحث الثالث: شيوخه ولد المحاملي في الوقت الذي كانت فيه بغداد تشهد حركة علمية مزدهرة، ونهضة تعليمية نشطة، إذ كانت المساجد عامرة بحلقات العلوم الشرعية، والمدارس تغص بالتلاميذ الذين توافدوا من كل حدب وصوب، ينهلون من مختلف العلوم، ويتلقون من أساتذتهم أصناف الفنون والمعارف؛ من تفسير، وفقه، وحديث، ولغة، وغير ذلك، فقد برز في تلك الحقبة من الزمن الجهابذ من العلماء، وفحول الشيوخ الأتقياء، يدفعهم حب العلم، والإخلاص لله تعالى إلى بثة ونشره، لا مقصد لهم إلا طلب الثواب من الله تعالى، ورجاء مغفرته ورضوانه، وقد اعتلى قمة الإفتاء والتدريس في تلك الفترة أعلام اشتهروا، وحفظ التاريخ أسماءهم؛ من أمثال أبي الحسن القصار المالكي، وأبي محمد الخوارزمي الشافعي أحد الأئمة الفقهاء أصحاب الوجوه، وأبي عبد الله الحناطي الشافعي، وابن اللباب الفقيه الشافعي المشهور، وأبي عبد الله الحسن بن حامد شيخ الحنابلة، وأبي عبد الله الحاكم المحدث العلم،
1 / 16
وأبي حازم محدث بغداد، وغيرهم من العلماء الأفذاذ، الذين ظهروا وعاشوا في تلك الفترة الزمنية. وعلى الرغم من ذلك الكم الهائل، والعدد الوافر من العلماء الذين برزوا في الفترة التي قارنت حياة الإمام المحاملي إلا أن كتب التراجم لم تورد لنا ذكر جميع أساتذته ومشايخه الذين روى عنهم، وقرأ عليهم ونهل من مناهلهم.
ومن خلال قيامي بقراءة استقراء وتتبع لتراجم الأعلام المعاصرين له – والذين هم مظنة أن يكون قد تتلمذ عليهم – عبر قراءة لكتب التراجم والطبقات؛ تمكنت من العثور على أسماء أربعة من شيوخه الذين أخذ عنهم، وهم:
١- الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، شيخ الشافعية بالعراق، ولد سنة (٣٤٤هـ)، اشتغل بالعلم منذ قدومه بغداد، فأخذ عن كبار علمائها، وبر ع في المذهب حتى فاق متقدميه، وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، واتفق معاصروه على تقديمه وتفضيله، وأخذ عنه جمع كبير من أئمة وفقهاء بغداد، علق على (مختصر المزني)، وله (التعليقة الكبرى) في الفروع، وكتاب (البستان) وهو صغير. وثقه الخطيب البغدادي وغيره. مات ببغداد في شوال سنة (٤٠٦هـ) ١.
٢- الإمام علي بن عبد الرحمن البكائي، أبو الحسن بن أبي السري الكوفي، من كبار شيوخ الكوفة ومحدثيها، سمع من أبي جعفر بن مطين، وأبي حصين الوادعي، وعبد الله بن بحر، وغيرهم، وحدث عنه جماعة؛ منهم أبو العلاء صاعد بن محمد بن الحسن السكري، وأبو الحسين
_________
١ طبقات الشيرازي ١٣١، طبقات الشافعية لابن السبكي ٤/٦١، ولابن قاضي شهبة ١/١٧٢.
1 / 17
الدهان. مات في ثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة (٣٧٦هـ)، وله تسع وتسعون سنة١
٣- الإمام الفقيه أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، المحاملي، الابغدادي، والد المصنف. تقدمت ترجمته عند الكلام على أسرة المصنف٢.
٤- الشيخ الحافظ محمد بن المظفر بن موسى البغدادي، أبو الحسين، ولد ببغداد سنة (٢٨٦هـ) من أشهر علماء الحديث ببغداد، سمع من كبار علمائها، ثم رحل إلى الكوفة، وحلب، وحمص، ومصر، وغيرها، واشتهر في معرفة الرجال، وجمع وصنف، حدث عنه أبو حفص بن شاهين، والإمام الدارقطني، والبرقاني، أبو محمد الخلال وغيرهم، وثقه غير واحد من العلماء. مات في جمادى الأولى سنة (٣٧٩هـ)
_________
١ الأنساب ١/٣٨٢، العبر ٢/١٤٧، الشذرات ٤/٤٠٥.
٢ ص (١٤) من هذا الكتاب.
٣ تاريخ بغداد ٣/٢٦٢، المنتظم ٧/١٥٢، البداية والنهاية ١١/٣٢٨.
المبحث الرابع: تلاميذه برز المحاملي وذاعت شهرته، وعلا صِيته، ورُزق من الذكاء والفطنة وحُسن الفهم ما تميز به على معاصريه، وتفوق به على أقرانه، وبرع في الفقه، وظهر للجميع تمكنه وطول باعه في مذهب الشافعي، لذلك التفَّ حوله طلبة العلم، وقصده التلاميذ من كل البلدان، فكان يُدرِّس في بغداد في حياة شيخه أبي حامد وبعده.
المبحث الرابع: تلاميذه برز المحاملي وذاعت شهرته، وعلا صِيته، ورُزق من الذكاء والفطنة وحُسن الفهم ما تميز به على معاصريه، وتفوق به على أقرانه، وبرع في الفقه، وظهر للجميع تمكنه وطول باعه في مذهب الشافعي، لذلك التفَّ حوله طلبة العلم، وقصده التلاميذ من كل البلدان، فكان يُدرِّس في بغداد في حياة شيخه أبي حامد وبعده.
1 / 18
ومن أبرز تلاميذه الذين سمعوا منه وقرءوا عليه:
١- الإمام، الحافظ، الناقد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب البغدادي، ولد سنة (٣٩٢هـ)، كان أحد الحفاظ المتقنين، والعلماء المتبحرين، وكان فقهيا، فغلب عليه الحديث والتاريخ، كان فصيح اللهجة، عارفا بالأدب، ولوعا بالمطالعة والتأليف، من مصنفاته الكثيرة: (تاريخ بغداد)، (السابق واللاحق)، (موضح أوهام الجمع والتفريق) . مات ببغداد في شهر ذي الحجة سنة (٤٦٣هـ) ١.
٢- علي بن أحمد الكاتب
ذكر الخطيب البغدادي٢ وغيره٣، أن هذا قرأ على المصنِّف رواية الحافظ عبد الله بن محمد البغوي (ت ٣١٧هـ) ٤ عن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (الفوائد) ٥.
ولم أقف على ترجمة لعليٍّ هذا.
٣- القاضي علي بن المحسن بن علي التنوخي، أبو القاسم البغدادي، وُلد بالبصرة سنة (٣٦٥هـ)، ذكر الخطيب البغدادي أنه سمع منه وقال: "وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولا إلى آخر عمره، وكان متحفظا في الشهادة، صدوقا في الحديث،
_________
١ وفيات الأعيان ١/٩٢، طبقات ابن السبكي ٤/٢٩، هدية العارفين ١/٧٩، الأعلام ١/١٧٢
٢ تاريخ بغداد ٤/٣٧٣
٣ طبقات ابن السبكي ٤/٤٩
٤ سير أعلام النبلاء ١٤/٤٤٠
٥ وهي مسائل رواها عن الإمام أحمد – ﵀ – البغوي، طبعت سنة (١٤٠٧هـ) في الرياض
1 / 19
وتقلَّد قضاء نواحٍ عدة. مات ببغداد سنة (٤٤٧هـ)
٤- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم، الضبي، المحاملي، أبو الفضل، ولد المصنف. تقدمت ترجمته عند الكلام على أسرة المصنف٢
٥- محمود بن الحسن بن محمد، أبو حاتم القزويني الشافعي، من كبار فقهاء الشافعية، أخذ عن الباقلاني، وابن اللبَّان، وهو شيخ الشيرازي صاحب (المهذب)، كان حافظا للمذهب، وصنف كتبا كثيرة في المذهب وفي الأصول والخلاف والجدل؛ منها (الحيل) مطبوع، و(تجريد التجريد) . مات سنة (٤٤٠هـ) ٣.
_________
١ تاريخ بغداد ١٢/١١٥، الأنساب ١/٤٨٥، ٥/٢٠٩، الوفيات ٤/١٦٢، العبر ٢/٢٩١.
٢ ص (١٣) من هذا الكتاب.
٣ طبقات الشيرازي ١٣٧، طبقات الشافعية لابن السبكي ٥/٣١٢، ولابن قاضي شهبة ١/٢١٨، ولابن هداية الله ١٤٥
المبحث الخامس: مصنفاته على الرغم من أن المحاملي – ﵀ – لم يعمَّر طويلا، وإنما اخترمته المنية وهو في ريعان شبابه، إلا أنه لم يمت حتى ترك وراءه عددا من المصنفات الفقهية المفيدة، والمؤلفات المشهورة الفريدة، حيث صنف كتبا في المذهب، وأخرى في الخلاف، أعانه على ذلك ما وهبه الله من ذكاء حاد، وحضور
المبحث الخامس: مصنفاته على الرغم من أن المحاملي – ﵀ – لم يعمَّر طويلا، وإنما اخترمته المنية وهو في ريعان شبابه، إلا أنه لم يمت حتى ترك وراءه عددا من المصنفات الفقهية المفيدة، والمؤلفات المشهورة الفريدة، حيث صنف كتبا في المذهب، وأخرى في الخلاف، أعانه على ذلك ما وهبه الله من ذكاء حاد، وحضور
1 / 20
فكر، وفهم، وقريحة جيدة، وسرعة حفظ؛ فاستغل هذه المواهب، وأشرع قلمه في الكتابة والتأليف، وقدَّم للمكتبة الإسلامية ثروة فكرية تمثلت في مصنفاته الفقهية المتعددة في المذهب الشافعي، حيث اعتمد عليها من جاء بعده من مصنفي المذهب، فنقلوا عنها كثيرا من أقواله، وتحريراته، وأفادوا منها إفادة كبيرة".
وهذه مصنَّفات العلاَّمة المحاملي، مع الإشارة إلى بعض النقولات المتأخرة عن بعضها:
أولا: أمالي١ الأصفهاني٢.
ثانيا: الأوسط:
ذكره ابن خلكان٣، والصفدي٤، والحافظ ابن كثير٥
ثالثا: التجريد في الفروع٦.
وهو كتاب في الفقه، غالبه فروع عارية عن الاستدلال٧، وقد جرَّده
_________
١ الأمالي: جمع إملاء، وهو: أن يعقد عالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس، فيتكلم العالم بما فتح الله – ﷾ – عليه من العلم، ويكتبه التلامذة فيصير كتابا وهو المعروف عند فقهاء الشافعية وعلمائهم بالتعليق. وانظر: كشف الظنون ١٦١، الرسالة المستطرفة ١١٩.
٢ هدية العارفين ١/٧٢.
٣ وفيات الأعيان ١/٧٥
٤ الوافي ٧/٣٢١.
٥ البداية والنهاية ١٢/١٩.
٦ طبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢، تهذيب الأسماء ٢/٢١٠، هدية العارفين ١/٧٢.
٧ كشف الظنون ٣٥١
1 / 21
تلميذه أبو حاتم القزويني١، وسمَّاه: تجريد التجريد٢.
وقد نقل عنه الشافعية كثيرا، ومنهم الإمام النووي، فقد نقل عن التجريد مسائل كثيرة في كتابه المجموع؛ منها:
في الجزء الأول/ الصفحات: ١٠٨، ١٢٣، ١٣٣، ٣٥٦.
والجزء الخامس / الصفحات: ١٧٦، ١٩٠، ١٩١، ٢٠٩، ٢١٧، ٢١٩، ٢٣٩، ٢٥٤، ٤٢٣.
والجزء السادس / ١٣٩، ١٨٦، ٤٤٣، ٤٥٠، ٥٢٥.
والجزء الثامن / ١٣٧. وغير ذلك.
رابعا: تحرير الأدلة:
نسَبَه للمحاملي ابن هداية الله في طبقاته٣.
خامسا: التعليقة٤
نقلها عن شيخه أبي حامد الإسفراييني.
سادسا: رؤوس المسائل:
وهو مجلدان يذكر فيه أصول المسائل ويستدل عليها٥.
_________
١ طبقات ابن السبكي ٥/٣١٢.
٢ المصدر السابق.
٣ طبقات الشافعية لابن هداية الله ١٣٢.
٤ طبقات الشيرازي ١٣٦، سير أعلام النبلاء ١٧/٤٠٤، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ١/١٧٤.
٥ طبقات ابن قاضي شهبة ١/١٧٥، شذرات الذهب ٥/٧٨.
1 / 22
سابعا: عدة المسافر وكفاية الحاضر١.
وهو كتاب في مجلد واحد، ذكر فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية، منه نسخة موقوفة بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة٢.
ونقل عنه الأسنوي في كتابه: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول٣..
ثامنا: كتاب القولين والوجهين٤.
تاسعا: اللُّباب:
وهو الكتاب الذي بين يديك أخي القارئ، وسيأتي الكلام عليه بالتفصيل إن شاء الله تعالى٥.
عاشرا: المجرَّد٦.
حادي عشر: المجموع٧.
وهو كتاب في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، يشتمل على نصوص كثيرة للشافعي، ويقع في عدة مجلدات بحجم كتاب (الروضة) للإمام
_________
١ طبقات ابن قاضي شهبة ١/١٧٥، شذرات الذهب ٥/٧٨، هدية العارفين ١/٧٢، معجم المؤلفين ٢/٧٤.
٢ كشف الظنون ٢/١١٣٠
٣ التمهيد ١٤٢.
٤ كشف الظنون ٢/١٣٦٦، هدية العارفين ١/٧٢.
٥ انظر ص (٣١) من هذا الكتاب.
٦ طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٨، ٣٧٧، ولابن قاضي شهبة ١/١٧٤، الشذرات ٥/٧٧.
٧ المصادر السابقة، وتهذيب الأسماء ٢/٢٢٠، سير أعلام النبلاء ١٧/٤٠٤، مرآة الجنان ٣/٢٩، الوافي ٧/٣٢١.
1 / 23
النووي١.
وقد نقل عنه النووي كثيرا.
فنقل عنه في الروضة ١/٥٧.
وفي المجموع ١/١٠٨، ١٢٩، ١٨٧، ١٩٤، ٣٢٠، ٣٢٥، ٣٢٧، ٣٤٥. ٥/١٨١، ١٨٩.
٦/٢٤، ١٣٢، ١٣٩، ١٤٦، ١٨٧، ٢٩٦، ٣٥٧، ٣٥٨، وغير ذلك.
ونقل عنه السيوطي في الأشباه والنظائر ٤٦٠.
ثاني عشر: المقنع٢.
ذكر سركين أنه يقع في (٢٢٢) ورقة٣.
وقد نقل عنه النووي في عدة مواضع.
فنقل عنه في الروضة: ٢/٣١٨.
٣/٨٧، ٢٣٢، ٥٣٥.
٤/٤٣٨.
وفي المجموع: ١/١٢٩، ١٣٣، ١٥٧، ١٩٦، ٣٦٠.
٥/٧، ١٤١، ١٩٠، ٣٠١.
٦/٣٦، ١٧٤، ٢٠٨.
_________
١ الشذرات ٥/٧٨.
٢ طبقات الشيرازي ٢٢٤، طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٧، تهذيب الأسماء ٢/٢١٠، وفيات الأعيان ١/٧٥، السير ١٧/٤٠٥، الوافي ٧/٣٢١، طبقات الشافعية لابن السبكي ٤/٤٨، البداية والونهاية ١٢/١٩، طبقات الشافعية لابن كثير ١/٣٦٩، وللأسنوي ٢/٢٠٢، ولابن قاضي شهبة ١/١٧٥، كشف الظنون ٢/١٨١٠، هدية العارفين ١/٧٢، معجم المؤلفين ٢/٧٤.
٣ تاريخ التراث العربي ١/٣/٢١٠.
1 / 24
٨/١٣٧، ٣٣١، ٤٣٣.
٩/٢١٤.
وفي طبقات ابن السبكي عدة مسائل نقلها عنه١.
_________
١ طبقات ابن السبكي ٤/٤٩-٥٢.
المبحث السادس: وفاته توفي العلاّمة أبو الحسن المحاملي شابا في بغداد، بعد حياة حافلة بالعلم، والتعليم، والتصنيف. وكانت وفاته يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة للهجرة، وكان عمره عند وفاته سبعا وأربعين سنة٢. وقد ذكر غير واحد ممن ترجموا له٣، عن أبي الفتح سُلَيم بن أيوب الرازي الشافعي (ت ٤٤٧هـ) ٤ قال: "لما صنف المحاملي كتبه (المقنع) و(المجرد) وغيرهما من تعليق أستاذه أبي حامد الإسفراييني، ووقف عليها – قال: بَتَرَ كتبي بَتَرَ الله عمره، فما عاش إلا يسيرا ومات، فنفذت فيه دعوة أبي حامد". _________ ١ طبقات ابن السبكي ٤/٤٩-٥٢. ٢ تاريخ بغداد ٤/٣٧٣، المنتظم ٨/١٧، الكامل ٨/١٤٧، وفيات الأعيان ١/٧٥، سير أعلام النبلاء ١٦/٤٠٥، طبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢، ولابن كثير ١/٣٧٠، الشذرات ٥/٧٧.. ٣ طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٨، ٣٧٧، تهذيب الأسماء ٢/٢١٠، طبقات ابن السبكي ٤/٩٤. ٤ طبقات ابن السبكي ٤/٣٨٨، سير أعلام النبلاء ١٧/٦٤٥.
المبحث السادس: وفاته توفي العلاّمة أبو الحسن المحاملي شابا في بغداد، بعد حياة حافلة بالعلم، والتعليم، والتصنيف. وكانت وفاته يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة للهجرة، وكان عمره عند وفاته سبعا وأربعين سنة٢. وقد ذكر غير واحد ممن ترجموا له٣، عن أبي الفتح سُلَيم بن أيوب الرازي الشافعي (ت ٤٤٧هـ) ٤ قال: "لما صنف المحاملي كتبه (المقنع) و(المجرد) وغيرهما من تعليق أستاذه أبي حامد الإسفراييني، ووقف عليها – قال: بَتَرَ كتبي بَتَرَ الله عمره، فما عاش إلا يسيرا ومات، فنفذت فيه دعوة أبي حامد". _________ ١ طبقات ابن السبكي ٤/٤٩-٥٢. ٢ تاريخ بغداد ٤/٣٧٣، المنتظم ٨/١٧، الكامل ٨/١٤٧، وفيات الأعيان ١/٧٥، سير أعلام النبلاء ١٦/٤٠٥، طبقات الشافعية للأسنوي ٢/٢٠٢، ولابن كثير ١/٣٧٠، الشذرات ٥/٧٧.. ٣ طبقات الشافعية لابن الصلاح ١/٣٦٨، ٣٧٧، تهذيب الأسماء ٢/٢١٠، طبقات ابن السبكي ٤/٩٤. ٤ طبقات ابن السبكي ٤/٣٨٨، سير أعلام النبلاء ١٧/٦٤٥.
1 / 25
وقد اتفقت كلمة المترجمين له على أن وفاته كانت سنة خمس عشرة وأربعمائة للهجرة١.
غير أن أبا إسحاق الشيرازي تشكك في وفاته حيث قال٢: "وتوفي في سنة أربع عشرة، أو خمس عشرة وأربعمائة"، ولم يذكر ذلك أحد سواه.
كما ذكر الحاج خليفة صاحب كتاب كشف الظنون في أحد المواضع أن تاريخ وفاة المحاملي سنة (٤٢٥هـ) ٣، ثم ذكر في خمسة مواضع أخرى أنها كانت سنة (٤١٥هـ) وذلك عند ذكره مؤلفات المصنِّف٤.
وأرجح بل أجزم أن الموضع الأول كان خطأ مطبعيا، حيث كتبت كلمة (عشرين) بدل (عشر)، وذلك لاتفاق المواضع الخمسة الأخرى على ذكر تاريخ الوفاة الصحيح المتفق عليه.
_________
١ انظر المصادر في مقدمة الدراسة ص (٩) .
٢ طبقات الفقهاء للشيرازي ١٣٦.
٣ كشف الظنون ٣٥١.
٤ كشف الظنون ١١٣٠، ١٣٦٦، ١٥٤١، ١٦٠٦، ١٨١٠.
المبحث السابع: ثناء العلماء عليه لقد بلغ العلاّمة المحاملي مكانة مرموقة بين علماء عصره، وتبوَّأ مرتبة عالية بين أقرانه، وذلك لما وهبه الله – تعالى – من النجابة، والذكاء، والفطنة، وحضور الفكر، وسرعة البديهة، ولا عجب في ذلك، فإن لنشأته في أسرة علمية عريقة في العلم، ومجتمع علمي نَشِط، أثرا كبيرا في بلوغه تلك المكانة، ووصوله تلك المرتبة.
المبحث السابع: ثناء العلماء عليه لقد بلغ العلاّمة المحاملي مكانة مرموقة بين علماء عصره، وتبوَّأ مرتبة عالية بين أقرانه، وذلك لما وهبه الله – تعالى – من النجابة، والذكاء، والفطنة، وحضور الفكر، وسرعة البديهة، ولا عجب في ذلك، فإن لنشأته في أسرة علمية عريقة في العلم، ومجتمع علمي نَشِط، أثرا كبيرا في بلوغه تلك المكانة، ووصوله تلك المرتبة.
1 / 26