فدخل في الحال على السيد أبي محمد رجل وقال: في جوارك خراساني تاجر قرب موته، وعنده ذخائر من الأموال، ويريد أن تدخل إليه عائدًا ليوصي إليك بالمال، فإنه لا وارث له في الدنيا.
فدخل السيد الأجل أبو محمد على التاجر، فسلم إليه سبعة من الأحمال قيمتها سبع ألف دينار، وتسلم السيد الأجل ذلك منه وانصرف إلى منزله، ومات التاجر بعد رجوعه بنصف ساعة. فقال السيد الأجل أبو محمد يحيى لوكيله: قد أخلف الله بألف دينار سبعة ألف دينار بلا خلاف، والله يضاعف لمن يشاء.
وقيل: كان له وكيل أصابه غرم، فاضطر إلى بيع حانوتين للسيد الأجل أبي محمد في سوق باب معمر بنيشابور، فباعهما من رجل، وعقد القبالة وأشهد عليهما، فكلفه المشتري إشهاد السيد الأجل أبي محمد على هذه القبالة.
فتحير الوكيل ولابد له من عرض القبالة على مخدومه، فعرض عليه القبالة وأشهد عليها، فقرأها عرف أن الحانوتين ملكه، فكتب شهادته وإجازته على القبالة، وسلم القبالة إلى وكيله ولم يظهر عليه قيمة عظيمة، فقيل له: إن المبيع ملكك، فقال: علمت ولكن حق لمن ضاقت يده في خدمتنا أن يتوسع بنعمتنا.
أقول: أنظر إلى هذه الأفعال الجميلة، هل يقبل مثله عن حاتم؟ وعن البرامكة والأجواد من العرب.
وقال الصاحب: أتمنى أن أرى ثلاثة من أكابر نيشابور، وهم: السيد الأجل أبو محمد يحيى، والشيخ أبو محمد المكناني، والقاضي أبو نصر بن سهل، فاتفقت رؤيتهم وتحققت الأمنة. أما السيد الأجل أبو محمد يحيى، فزاد مرآه على المسموع منه. والشيخ أبو محمد المكناني كان على وفق ما حكي عنه بلا زيادة ونقصان. والقاضي ابو نصر مباين الأحوال مختلف الأقوال والأفعال، ينقص مرة ويزيد أخرى.
وقيل: كان الشيخ الإمام أبو سهل الصعلوكي مقدم العلماء بنيشابور، وكان يسائر السيد الأجل أبا محمد يحيى بنيشابور، فوصلا إلى قنطرة ضيقة المجال، فكبح السيد الأجل أبو محمد عنان فرسه، وقدم الإمام أبا سهل عليه، فتعجب الناس من تواضعه في شرفه، فلما وصل الإمام أبو سهل إلى مدرسته، قال: إن السيد الأجل أبا محمد يحيى استعبد أكابر خراسان بحسن ماله وحميد خصاله.
حكاية قيل: دخل السيد الأجل أبو محمد دار أمير خراسان صاحب الجيش ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سمجور، وهو أول من لقب في الدولة السامانية، فدخل هذه الدار الأستاذ الإمام إسحاق بن محمساد إمام الكرامية بنيشابور مع ثوب خلق وصوف وسخ، فأنشد السيد الأجل أبو محمد يحيى مشيرًا إليه:
ودع التواضع في الثياب تخشعًا ... فالله يعلم ما تسر وتكتم
فرثاث ثوبك لا يزيدك قيمة ... عند الإله وأنت عبد مجرم
ونقاء ثوبك لا يضرك بعدما ... تخشى الإله وتتقي بالمحرم
جميع ذلك مذكور في كتاب المحامد.
وقال أيضًا البرزهي: حدثني الشيخ أبو العباس أحمد بن الحسين الجشمي الحمر أنه ورد من مصر رجل من دعاة المصريين ذو بيان ولسان، وطوى الأرض إلى بخارا، ووصل إلى أمير نوح بن منصور الساماني، وما زال يقبل في الذروة والغارب حتى نال حظًا من عناية الملك المشرق نوح بن منصور.
وكر راجعًا إلى نيشابور، وكثرت أتباعه من الأشراف والأوباش، وأراد أن يظهر مكنون دعوته، فقيل له: ليس إلى ذلك سبيل إلا بإجابة السيد الأجل أبو محمد فأتى السيد وناظره فقال له السيد الأجل أبو محمد: أنا أحضر دارك، وأسمع أسرارك، وأناظرك فيما تحب فيه المناظرة.
وكان الداعي يسكن دارًا في باب معجر، وانصرف الداعي إلى داره، وشاور من طابقه ورافقه، ودبر مع من شاركه ووافقه في ذلك، فاتفقوا على القتل بالسيد الأجل وقتله، واستعدوا لذلك، وتستر قوم منهم وانتهزوا فرصة دخول السيد في البيت.
فدخل السيد الأجل ومواكب الهيبة النبوية يتابعه، وقعد في صدر المجلس، وأقبل على الداعي وقال: هات ما عندك، فنفض الداعي ما في دماغه من أهواسه، فأجابه السيد ببرهانه اللامع، وألقمه الحجر، ورفع العجل في الركاب، وعاد بالسعادة إلى داره في محل قراره.
فتحير الداعي بسبب هتك أستاره وظهور أسراره، فلما وصل السيد إلى داره بعث جماعة من خدمه حتى هجموا على الداعي، وأخذوه أسيرًا وأخرجوه من الدار، وقتلوه في وسط السوق، وجزوا رأسه.
1 / 49