المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الخلائق من بسائط متبائنة الأقسام، ونظر من وسائط متغايرة الأقسام، وصير عقولهم شواهد على استنهاج مسالك الأفكار، حتى يوافقوا بها ويخالفوا، قال الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ".
وفرق بين الأسباط والقبائل والبطون والأفخاذ، تفريق روضة بودائع البدائع ناضر، وبحره بلطائف المواصلة والمصاهرة زاخر، ووصل حبل التناسل بعد الثبات، وجمع شمل التوالد بعد الشتات، وقدر أسباب القدرة والقرابة تقديرًا، " وخلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا " فالقلوب متفكرة في هذه الصنائع، والألسنة ناطقة بتلك البدائع.
هذا وإن لم يقدر العبد على شرح جلاله وكبريائه، فالروضة مع عجمها ينعي الثناء على الحياء فيفوح، والحمامة على لكنتها تبكي على ألف ناي فتنوح، فسبحانه من إله صير خطوط المحررة كالمناطق، وعقول الإنسان معبرة عنها وهي غير بواسط.
وخلق الثريا كلف بشر إلى الطريق إذا صلت الحداء، والبدر المنير كملك له النجوم عفاء. وصير الآفاق كطرف له اليل سواد، وشعاع النجوم بياض والإنسان فيه فداه.
وجعل الفلك مثل أديم شد الفارس خرامه، أو مثل در تناثر ودع نظامه، وأبدع النجوم مثل درر حملتها ديباجه زرقا، والآفاق مثل كؤوس له الشهب حباب، والدجى ماء جمده أولى بأن تسرف في ترصيع رصفه من أصداف الأفكار درر الكلام. وتسرعف لوصفه أنابيب الأقلام.
والصلاة على سيد الأولين والآخرين محمد المصطفى الذي وجد الناس حطى الكلام في بيان مناقبه فساحًا، وصارت الآمال الخرس بميامن نبوته فصاحًا.
وكانت له صلوات الله عليه عزائم فاد بها خيولًا، ما لها إلا من المعجزات الباهرات سكائم شريعته كحنة حفت بالآداب الغر الأرج سرر الطباء، وعند هبوب نسيم ألفاظه العذاب كبا جود دخان الكباء، من أمن به آنس من نفسه الرشد، وكحل ما يمد الهداية العيون الرمد. فطوبى لمن تقلد طوق مننه، وسلك سنن سننه.
ثم على آله الذين رتعوا من أكلاء الطهارة بين النحلة والخمس، وأهل بيته الذين هم كما جاء في الحديث النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض وطيروا نواهض فراخ الحسب والنسب بأجنحة السعادة وأحسنوا بالحسنى وزيادة، ورذائل صور أفعالهم بصيقل التنزيل مجلوة، وسور مناقبهم من اللوح المحفوظ متلوة.
ونهضوا من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، نهوض الليث من الآجام، وطلعوا من آفاق النبوة والرسالة طلوع البدر في خلال الظلام، وملكوا من الفضل أعجازه وصدوره، واستضاؤا ببدر يأبى إلا أن يتم نوره.
ولم يزل نصرة دين الله محروسة في أسنتهم اللامعة، وهلاك الأعداء مجنو في سيوفهم القاطعة، وانتشرت في البرايا أشعة معروفهم، وأدركوا ما لا كانت مفاتيحها بنص سيوفهم، فهم شرح في الظلام تزهر، وسحب في الجذوب تمطر، فعلهم من العار عار ورند فضهلم وار، وقصد تلقاء حضرتهم من قطر مطر ومن كل واد حاد، ومن كل دار سار.
وقد دامت نضارة رياض مراتبهم، وأغصان محاسن مناصبهم مكان الأمير، السيد الأجل الكبير المؤيد الرضي عماد الدولة والدين جلال الإسلام والمسلمين، أخص سلطان السلاطين، مجتبى الخلافة، ظهير الأنام، صفي الأيام، ذخر الأمة، شرف الملة، غوث الطالبية، كمال المعالي، فخر آل رسول الله صلى الله عليه وآله ذي المناقب، ملك السادات، نقيب النقباء في الشرق والغرب أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى العلوي مرتضى أمير المؤمنين.
أطال الله ببقائه بقاء المعالي، وأدام بجماله جمال الأيام والليالي، له فضائل مجلت، وكانت خافية مباديها، ومناقب كلت، وكانت قبلة أدام الله أيام علائه عاطلة تراقيها رعى لأسلافه الأشراف.
ومما واجباني زمان فتنة العمياء من علم الأنساب، ومما حلمه يزاحم منكب الطود الأشم، وجوده سارى عوارب البحر الخصيم، لم يخلق الله تعالى إلا لليقل والتوفيق، وقدمه إلا للمحل الرفيع، ولسانه إلا للنهي والأمر، وشخصه إلا لحفظ البيضة وسد الثغر. فله من كل شيء صفوه ولبابه، ومن كل شرف أسبابه، وذلك من عناية الله لمن بقي من العلماء بخراسان قطوف الأماني.
1 / 1
فصارت بيهق بمكانه معاني الشعب طيبًا في المعاني، وإن سكت الشاكرون لأنعمه، فقد أثبت عليه الحقائب ثناء أطيب من نسيم الأزاهر، وأنفاس المجامر، وأطرب من ترجيع المزامر.
وللعلماء في زمان كرمه آمال يترقبون الصحة أسفارًا، ويشمون حضرته قبل العشي أطيب من عرار نجد عرارًا، فطلع المال لديه نضيد، وطالع الإقبال في أفقه سعيد، والله تعالى على ذلك شهيد.
ولا شك أن أولى الناس بالكرم والمروة والفضل والشرف والفتوة، من كانت له النبوة، ومن كان جده المصطفى ﵇، فقد اشتمل على الفضل والإفضال، اشتمال الأصداف على الدرر، وجف بالمناقب الزهر والمراتب الغرحفون الاعكان بالسرر.
هذا في زمان بلفظ أنامل الأفكار فيه خرزات الوساوس، ويحكم الدنيا ساكنها ولياليها حبالى وهي لا تنام في الحبادس وحشو أفئدة الليل والنهار من عجائب الآثار ونوادر الأدوار، ما كمن كمون النار في المزج والعفار مما في الأوقات انفساح، ولا للصدور إلا في حضرته انشراح، بمكارمه ولطائفه رفعت القلم، وألفت الكلم، وضرب نسبيًا لعلوي الرياح، وضربت الكسور في الصحاح، وأعرضت عن تشوية الماء القراح.
ووصلت اليسير بالسرى، وجمعت بين الأعنة والبرى، واسترقت درر أصداف الدفاتر، واستزلت درر سحايب والمحابر، وفرت بقلب على سكة ولاية مطبوع، والمعاني غير مجذوع، وكل فاضل فارق حضرته، فإنه أمسى شحي في حلوق الليالي رائحًا، وغدى في مقلة الصبح غاديًا، وكفى رعانه مناديًا، فالأفضل من نعمه في روضة يحبرون، ومن شكره آناء الليل والنهار لا يفترون.
ولما أشار إلى جمع كتاب في أنساب أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله من أبناء الحسن والحسين ﵄ رسمت منزلي بالاشمين، وشكرت الله على هذه النعمة، ولزمت الاعتكاف في المحاريب، ومحوت وقوم نعوت الجادر في ذي الأعاريب، والفحل وإن كانت ركبته معقولة لحمى الثول والمرء وإن شات وتغيرت أحواله، وقلت أمواله، يدحر شياطين الهموم عن قلبه، بقوله لا قوة إلا بالله ولا حول هذه.
ولما أن عجبتني الفتنة العمياء الصماء بنيشابور عن مجانمي، أقمت عشر سنين في ظلال لطائف المجلس العالي النبوي العمادي الجلالي المكي، في بلاد بها نيطت علي تمائمي. وهي أول أرض مس جلدي ترابها، واطفأ غلي شرابها، وفتحت علي من أسباب المعيشة أبوابها، وما ذقت بسبب انعامه حر القلائل، ذقت برد الطلال، وما أثرت الفتن في تأثير النار في سليط الذبال.
وكنت في حضرته أنسها الله في دوام رفعته كحليس قعقاع بن شور، وجادا في داود ممتطيًا غوارب نيل كل مراد، بعد ما زلنا وزال الدهر في براد، وحمدت سراي عند الصباح، وما قال لي صرف الزمان حيدي حياد وقبحي قباح.
ورسمت مطايا أمثال هذه الإشارة بعد ما صليت الاستخارة، وأنصفت على قدر الإمكان في مرامات القادة، وأنشدت ما قيل:
وهل يقبل التقصير أو يعذر الوني ... ومثلي مأمور أو سلك آمر
واشتغلت بابتداء هذا الكتاب يوم السبت في أواخر جمادى الآخر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
وأقول: اللهم اجعل رضاك عنا غاية، وأمد وهيىء لنا من أمرنا رشدًا، وارزقنا قناعة وحياة طيبة، وحكمة، وآتنا من لدنك رحمة، وأصلح أمورنا، واشرح بنور التوفيق صدورنا، وكثر حسناتنا، ووفر صالحاتنا، واغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيآتنا، وأنعم علينا بجمع شملنا، ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، إنك أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وولي المؤمنين.
فصل
ذكر من صنف في علم الأنساب
في البلدان
السيد أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الملقب بطباطبا وليس هو بابن طباطبا الشاعر، بل الشاعر واحد من أحفاده، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل.
والسيد يحيى بن الحسن الحسيني، وأبو طاهر أحمد بن عيسى العلوي العمري.
والزبير بن أبي بكر الزبيري. وهشام بن محمد الكلبي.
وأبو عبيدة معمر بن المثنى، ومحمد بن عبدة العبدي، وشبل الباهلي.
ومحمد بن حسن العدوي. وابن المنتاب. وأبو نصر البخاري. والفقيه أبو يحيى زكريا بن أحمد النساب. وأحمد بن فارس بن زكريا مصنف مجمل اللغة.
وأبو الحسن الأصبهاني. وابن نمر الأسدي النصبي.
وأبو الغنائم الدمشقي. والسيد النقيب أبو الحسين علي بن أبي طالب الحسني الطبري.
1 / 2
والسيد الإمام أبو الحسين يحيى بن الموفق بالله الشجري. والسيد النقيب الواعظ حمزة بن علي الحسني بسرخس. والسيد أميركا النيشابوري. وشيخ الشرف أبو حرب الدينوري الأفطسي.
والسيد أبو الحسن علي بن زيد العلوي الهروي. والسيد هبة الله العلوي الكشميري. والسيد أبو هاشم بهرات.
والسيد أبو العز عبد العظيم البطحاني الأصبهاني الرودآوردي. والشريف المحمدي ببغداد.
وبالري السيد النسابة أبو القاسم الونكي الحسيني، وونك قرية من قرى الري. والسيد مهدي بن خليفة بن مهدي الطبري.
والسيد قطب الدين حيدر بن محمد الولوالجي.
والسيد النقيب الحضرة أبو طالب الزنجاني مصنف كتاب ديوان الأنساب.
والسيد النقي أبو إسماعيل إبراهيم بن ناصر بن إبراهيم طباطبا.
وأبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبري.
والسيد الإمام نسابة المشرق أبو جعفر محمد بن هارون الموسوي النيشابوري.
والإمام الحسن بن علي بن محمد بن قطان المتطبب المروزي الملقب بعين الزمان مصنف كتاب الدوحة.
والسيد أبو عبد الله الحسين بن علي بن داعي العلوي المقيم بنيشابور.
والسيد أبو البركات الخوزي.
فهؤلاء العلماء الثقات المشهورون بهذا الفن، والله تعالى أعلم.
فصل
تحديد النسب والحسب والفرق بينهما
قيل: الحسب ما يحسبه الرجل من مفاخر آبائه، أي يعدده. وقيل: الحسب القدر. وقال بعض المتقدمين: الحسب الفعال الجميل للرجل وآبائه. وقيل: الحسب ذوي القرابة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله لوفد هوازن: تختارون المال أم البنين؟ فقالوا إذا خيرتنا بين المال والحسب فإنا نختار الحسب عنوا بذلك أبنائهم وأقاربهم.
لسنا وإن كرمت أوائلنا ... يومًا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وقال بعض العلماء في قول النبي صلى الله عليه وآله " كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي " فالحسب الشريعة، والنسب الذرية والعترة.
والدليل على صحة هذا المعنى ما روى سلمة بن الأكوع عن النبي ﵌ أنه قال: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.
ولما اشتد الأمر على مسيلمة الكذاب قال له بنو حنيفة: ما يقول جبرئيل وميكائيل؟ قال يقول: قاتلوا اليوم عن أحسابكم.
وفي كتاب الغريبين: في قوله ﵇ " الحسب المال " أن الرجل إذا صار ذا مال عظمه الناس. وفي الأمثال: رأيت ذا المال مهيبًا. قال الشاعر:
اني مكب على الزورا غمرها ... إن الحبيب إلى الإخوان ذو المال
كل النداء إذا ناديت تخذلني ... إلا نداء إذا ناديت يا مالي
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: نعم العين على الدين الحسب، ونعم العون على تقوى الله المال الصالح للرجل الصالح.
وحدثني الإمام علي بن محمود النصر آبادي بإسناده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ أنه قال: النسب ما لا يحل نكاحه، والصهر ما يحل نكاحه. وذكر ذلك الحديث الثعلبي في تفسيره في معنى قوله تعالى " فجعله نسبًا وصهرًا ".
وقال الضحاك والمقاتل والسدي: النسب سبعة والصهر خمسة، وقرأ هذه الآية " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " إلى آخر الآية.
حدثني الإمام علي بن محمود النصر آبادي، وأستاذي الإمام أحمد بن محمد الميداني قالا: حدثنا الإمام علي بن أحمد الواحدي، قال: حدثني المفسر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: حدثني أبو عبد الله القائني، قال: حدثني أبو الحسن النصبي القاضي، قال: حدثنا أبو بكر الشيعي الحلبي قال: حدثنا الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ﵃ عن آبائه أنه قال: نزلت هذه الآية " الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا " في النبي صلى الله عليه وآله وفي أمير المؤمنين ﵁ حين تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فكان علي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله من النسب وزوج ابنته فهو صهره، فهذا هو النسب والصهر. وذلك مذكور في التفسير.
1 / 3
قال الجوهري صاحب الصحاح: النسب واحد الأنساب، والنسبة مثله. وانتسب إلى أبيه، أي: اعتزى وتنسب، أي: ادعى أنه نسيبك. وفي الأمثال القريب من تقرب لا من تنسب ورجل نسابة، أي: عالم بالأنساب، والهاء للمبالغة في المدح، كأنهم يريدون به داهية أو غاية أو نهاية. وفلان يناسب فلانًا إذا ذكر نسبه.
وقال بعض النحاة المتقدمين: النسبة إلحاق الفروع دونها بالأصول بياء، وينسب الرجل إلى إنسان آخر أشهر منه للتعريف، فينسب إلى هاشم فيقال: هاشمي.
ومن حكم النسب أن يصير الاسم به صفة، ومعنى هذا أن هاشمًا اسم علم، فإذا قلت هاشميًا صار صفة. وضرب يحمله على غيره في التثنية والجمع والتأنيث والتذكير، فتقول: امرأة هاشمية، ورجلان هاشميان.
وينسب الرجل أيضًا إلى بقعة من البقاع، كما تقول في النسبة إلى البصرة: بصري وإلى الكوفة كوفي. وللنحاة في ذلك كلام لا نحتاج إليه هاهنا.
والمعدود محسوب وحسب أيضًا، وهو فعل بمعنى مفعول، مثل نقص بمعنى منقوص، والحسب القدر، يقال: علمك بحسب ذاك، أي على قدره.
قال الكسائي: ما أدري ما حسب حديثك. أي: ما قدره.
قال الجوهري: يقال حسب الرجل دينه ويقال ماله. قال ابن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف. أما الشرف والمجد، فلا يكون إلا بالآباء.
فلا يقال لمن لم يكن أباه شرفًا: شريف. ولا ماجد ولا يقال له شرف ومجد، فالشرف والمجد متعلقان بالنسب، والحسب والكرم يتعلقان بذات الرجل.
هذا هو الفرق الظاهر بين الحسب والنسب والسلام.
فصل
القرابة التي كانت بين قريش وتميم
إن أم النضر زينب بنت ... زوجة كنانة أخوال قريش. وإلى هذه القرابة أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ في كتاب نهج البلاغة.
فقيل لأولاد النضر بن كنانة بن مدركة بن الياس: قريش. فبنو قصي من قريش، وزهرة أخو قصي، وهو زهرة بن كلاب، وبنو زهرة من قريش أيضًا، وبنو تميم بن مرة ابن عم قصي بن كلاب بن مرة من قريش، وبنو عدي بن كعب، وهو ابن عم والد قصي من قريش.
والنسب: هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن النضر بن كنانة بن مدركة بن الياس.
فبنو كنانة هم من قريش. وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أيضًا من قريش. فقريش: بنو عبد مناف، وبنو عبد الدار، وبنو زهرة، وبنو تميم، وبنو عدي، وبنو مخزوم. وكل من ينتمي إلى النضر بن كنانة، فهو من قريش.
وبالإسناد المتقدم المذكور في تفسير الثعلبي عن النبي ﵌ أنه قال: نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا، ولا ننتمي إلا إلى أبينا عنى صلى الله عليه وآله: لا ننتمي إلى بني تميم، وننتمي إلى النضر بن كنانة.
وبهذا الإسناد عن واثلة بن الأسقع، وهو آخر من مات من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، ومات سنة ست ومائة من الهجرة، وانقرض بموت واثلة بن الأسقع عصر الصحابة.
وروى واثلة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
وقيل: سمي قريش من التقرش وهو التكسب والتقلب والجمع والطلب.
وسئل عبد الله بن عباس عن معنى قريش؟ فقال: قريش دابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا يعل، واستشهد بقول الشاعر:
وقريش هي التي تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشًا
وقيل: اشتقاق من قول العرب تقرشوا، أي: اجتمعوا؛ لأنهم اجتمعوا وكانوا كيدٍ واحدة على من سواهم. وقيل: مأخوذ من قولهم تقارشت الرماح الرماح أي: تداخله في الحرب، وهم قد تداخلوا في الحرب. وربما قالوا: قريشي. وقال ... بكل قريش عليه مهابة، فإن أردت بقريش الحي صرفته، وإن أردت به القبيلة لم تصرفه، وقال الشاعر في ترك الصرف:
وكفى قريش المعضلات وسادها
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأئمة من قريش.
وقال ﵇: حب العرب من الإيمان، وحب قريش من الإيمان.
وقوم من العرب يقول في النسبة إلى ثقيف وقريش وربيع: ثقفي وقرشي وربيعي. وقوم يقولون: ثقيفي وقريشي وربيعي.
فصل
قول النبي أنا ابن العواتك
معنى قوله صلى الله عليه وآله أنا ابن العواتك أنا ابن الفواطم كلهن طاهرات سيدات
1 / 4
أم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة بن هلال من بني سليم. وأم رسول الله صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب وأم وهب عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال من بني سليم. وأم عبد مناف عاتكة بنت فالج بن هلال من بني سليم.
أما الفواطم، فأم عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله فاطمة بنت عمرو بن عامر من بني النجار وهي مدنية. وأم قصي فاطمة بنت عوف بن سعد بن الأزد. وأم آمنة وهي جدة النبي ﵇ من قبل الأم فاطمة بنت عبد الله من بني مخزوم، زوجة وهب بن عبد مناف من بني زهرة.
وأم خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وآله فاطمة بنت الأصم. ولحمزة سيد الشهداء ابنة يقال لها: فاطمة، ويقال لها: أيضًا البيضاء. وفاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ وأم طالب وجعفر. والعاتكة: القوس إذا قدمت واحمرت.
وقيل: العواتك إحداها عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان، وهي أم هاشم وإخوته. وعاتكة بنت عامر بن الطرب بن عباد بن بشر بن الحارث بن عمرو، وهي من أمهات عبد الله بن عبد المطلب. وعاتكة أم مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان. وعاتكة وقيل: ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة أم غالب بن فهر.
والفواطم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله بن عبد المطلب. وفاطمة بنت عبد الله بن عمرو بن عائذة جدة جدة النبي صلى الله عليه وآله وفاطمة بنت عبد الله بن عمرو بن عدوان، وهي أم سلمى أم عبد المطلب.
وفاطمة بنت عون بن عدي، وهي أم مخزوم، وهو الذي ينسب إليه بنو مخزوم جد عبد الله من قبل الأم. وفاطمة بنت السعد ابن سهيل.
وقيل: أم قصي فاطمة بنت عوف بن سعد بن شمل بن حجاز بن عثمان بن عامر.
فصل
معنى العلوي واشتقاقه
العلي: الرفيع. قال ابن دريد: العلي الصلب الشديد، ومنه سمي الرجل عليًا. يقال: فرس علي. أي: صلب شديد.
والنسبة إلى علي بن أبي طالب ﵁ علوي، وإلى علي بن كنانة بن بكر عليون.
قال بعض الأدباء: يقال علوي. والواو تنسب ها هنا ولم يكن في علي، لأن لام الفعل من علي واو، ومن على يعلو، والأصل عليو، ولكنهم قلبوا الواو ياءًا، ولما زالت تلك العلة التي ها هنا في النسبة ردوا الواو وفتحوا اللام وكانت مكسورة والفعل إذا حذف منه الياء بقي فعل بكسر العين وفتحت عينه عند النسبة، لئلا تجتمع مع ياء النسبة كسرتان، كما يقال في النسبة إلى نمير: نمري، هذا إذا كان الاسم على ثلاثة أحرف.
وقيل: إن كل اسم آخره ياء مشددة جعلت الياء الأولى في النسبة واوًا، فنقول في النسبة إلى علي: علوي. وفي النسبة إلى عدي: عدوي.
فصل
معنى الحسن والحسين
الحسن والحسين جبلان في طي، ينسب إليهما رهطان.
وقيل: هما جبلان مباركان من أصبح ونظر في أول النهار إليهما كان ذلك اليوم عليه مباركًا، والحسن رملة لبني سعد. ومن الذراع النصف الذي يلي الكوع، سمي بذلك مقابلة للنصف الآخر الذي يسمي القبح.
قال أبو الهاشم: سمي حسنًا لكثرة لحمه. وهاشم من الهشم، وهو كسر الشيء اليابس، يقال: هشم الثريد، ومنه لقب هاشم؛ لأنه أطعم قريشًا وهشم الخير لقحط أصابهم، قال الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
قال ابن السكيت في إصلاح المنطق: هاشم من قول العرب هشمته، أي: عظمته، ومنه سمي هاشم والسلام.
فصل
شرف علم الأنساب
للروم من العلوم الطب، ولأهل اليونان الحكمة والمنطق، وللهند التنجيم والحساب، وللفرس الآداب، أعني: آداب النفس والأخلاق. ولأهل الصين الصنائع.
وللعرب الأمثال وعلم النسب، فعلوم العرب الأمثال والنسب، واحتاج كل واحد من العرب إلى أن يعلم سمت كل لقب، ومصالحه، وأوقاته، وأزمنته، ومنافعه في رطبه ويابسه، وما يصلح منه للبعير والشاة.
ثم علموا أن شربهم ماء السماء، فوضعوا لذلك الأنوار. وعرفوا تغير الزمان وجعلوا نجوم السماء أدلة على أطراف الأرض وأقطارها، ليس لهم كلام إلا وهم خاضعون فيه على المكارم، يفتحون للروائل، مرغبون في اصطناع المعروف وحفظ الجار وبذل المال، وأثبتوا المعاني نصب كل واحد منهم ذلك بعقله، ويستخرجه بفكره، ويعبر من طريق المثل بلفظ وجيز عن معاني كثير فيها علم مستأنف من التجارب.
1 / 5
وليس في الفرس والروم والترك والبربر والهند والزنج من يحفظ اسم جده، أو يعرف نسبه؛ لذلك تداخلت أنسابهم، وسمي بعضهم إلى غير أبيه. والعرب يحفظ الأنساب، فكل واحد منهم يحفظ نسبه إلى عدنان، أو إلى قحطان، أو إلى إسماعيل، أو إلى آدم ﵇، فلذلك لا ينتمي واحد منهم إلى آبائه وأجداده، ولا يدخل في أنساب العرب الدعي.
وخلصت أنسابهم من شوائب الشك والشبهة، فكل واحد من العرب يتناسب أصله وفرعه، ويتناصفه بحره وطبعه وزكى ندره وزرعه.
فللعرب من المنابت أزكاها، ومن المغارس أتمها وأعلاها. ولجمع العرب كرم الأدب إلى كرم الأنساب، ولقنهم الله الحكمة وفصل الخطاب، ولولا علم الأنساب لانقطع حكم المواريث وحكم العاقلة، وهما ركنان من أركان الشرع، ولما عرف الرجل فرسه من لعده، ومن يرثه ومن لا يرثه ممن يرث منه.
وكانت العرب أنهم إذا فرغوا من المناسك حضروا سوق عكاظ، وعرضوا أنسابهم على الحاضرين، ورأوا ذلك من تمام الحج والعمرة، لذلك قال الله تعالى " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا ".
فصل
أعلم الناس بأنساب العرب
في الزمن الماضي أبو بكر عبد الله بن عثمان، ومخرمة وعامر بن الطرب، وعقيل بن أبي طالب، وعروة بن أذينة، وجبير بن مطعم من بني نوفل وغيرهم.
وقال رسول الله ﵌ لحسان بن ثابت شاعره: اهج المشركين، وروح القدس معك، واءت أبا بكر يعلمك مساوي القوم فإنه عالم بالأنساب.
وذكر الإمام أستاذنا أحمد بن محمد الميداني في كتاب مجمع الأمثال من تصنيفه في معنى هذا المثل إن البلاء موكل بالمنطق أنه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وآله الموسم ومعه الصحابة من المهاجرين والأنصار، فجاء رجل يقال له: دغفل بن حنظلة من بني ربيعة، وقال: من نسابة الصحابة؟ فأشاروا إلى أبي بكر.
فقال له أبو بكر: ممن الرجل؟ فقال دغفل: من ربيعة، فقال له أبو بكر: من هامتها أم من لهازمها؟ فقال دغفل: من هامتها العظمى، فقال له أبو بكر: من أي هامتها؟ فقال دغفل: من ذهل الأكبر. فقال له أبو بكر: أفمنكم عوف الذي قيل فيه لا حر بوادي عوف؟ فقال: لا.
فقال له أبو بكر: أفمنكم بسطام ذو اللواء ومنتهى الاحياء؟ قال: لا، قال: أفمنكم جساس بن مرة حامي الذمار والحوفزان قاتل الملوك، والمزدلف صاحب العمامة؟ أفمنكم أخوال الملوك من كندة؟ فقال دغفل: لا.
فقال له أبو بكر؟ فأنت من ذهل الأصغر لا من ذهب الأكبر.
فحمل دغفل وسكت ساعة، ثم قال لأبي بكر: ممن الرجل؟ فقال: من قريش: فقال له دغفل: من أي قبيلة؟ فقال له أبو بكر: من بني تيم.
فقال له دغفل: أمكنت الرامي من ثغرتك، أفمنكم قصي بن كلاب المجمع، وهاشم الذي هشم الثريد لقومه؟ أفمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم الوحوش والطيور؟ أفمنكم المفيضون بالناس وأهل الندوة والرفادة والحجابة والسقاية؟ فقال أبو بكر: لا.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه، فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ لأبي بكر: لقد وقعت من هذا الأعرابي على باقعة.
فقال أبو بكر؟ فوق كل طامة طامة، وأن البلاء موكل بالمنطق. فقال دغفل: صادف درأ السيل درأ يصدغه. فصار هذا الكلام مثلًا.
ومعنى هذا الكلام أنه صادف السر شرًا يقوى عليه ويغلبه. ويقال في الأمثال: أنسب من دغفل، وهو دغفل المذكور. وكان أعلم قبائل العرب بالأنساب. وقول العرب: أنسب من كثير هو من النسب لا من النسب، هو كثير الشاعر. وقيل أيضًا: أنسب من جبير بن مطعم.
وقيل: إن أعرابيًا دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وأنشد بين يديه ﵇:
إني امرء حميري حين تنسبني ... فلا ربيعة آبائي ولا مضر
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك النسب بعدك عن الله والرسول. وفي رواية أخرى: ذلك أبعدك من الله ورسوله.
وهذا الحديث يدل على أن من هو قريب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من طريق النسب كان قريبًا إلى رحمة الله تعالى.
فصل
تفاصيل فرق الناس
الأسباط: أولاد إسحاق ﵇. والقبائل في أولاد إسماعيل ﵇.
قال التفتازاني: السبط الجماعة التي تجري في الأمور بسهولة؛ لاتفاقهم في الكلمة، مأخوذ من السبوطة.
1 / 6
وقيل: مأخوذ من السبط، وهو ضرب من الشجر، فجعل الأب الذي تجمعهم كالشجر الذي يتفرع عنه الأغصان الكثيرة؛ ولذلك ينقش شكل الشجر في الأنساب.
وجماعة الناس إذا كانوا أبناء أب واحد فهم قبيلة. فإذا كانوا من أب واحد وأم واحدة، فهم بنو الأعيان. فإذا كانوا من أب واحد وأمهات شتى، فهم بنو العلات. فإذا كانوا من أم واحدة وآباء شتى، فهم بنو الأحناف. فالقبيلة تعم أبناء الأعيان وأبناء العلات، ولا تعم أبناء الأحناف. قال الكلبي: الجماعة من الناس أولًا الشعب بفتح الشين، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العشيرة، ثم الذرية، ثم العترة، ثم الأسرة.
الفصيلة: الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة. والعترة: الولد ووالد الولد الذكور والإناث. والعشيرة: الأدنون، قال الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ".
قال المفسرون: في قوله تعالى " وجعلناكم شعوبًا وقبائل " شعوب: رؤوس القبائل وجمهورها، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، واحدها شعب بفتح الشين، سموا بذلك لتشعب اجتماعهم، كتشعب أغصان الشجر، والتشعب من الأضداد، يقال: شعبته إذا جمعته، وشعبته إذا فرقته، ومنه قيل للموت: شعوب.
وقبائل وهي دون الشعوب واحدتها قبيلة، وهي كبكر بن ربيعة وملم بن مضر. ودون القبائل العمائر، واحدتها عمارة بفتح العين، وهم كشيان من بكر، ودارم من تميم.
ودون العمائر البطون، واحدها بطن، وهم كبني غالب ولؤي من قريش. ودون البطون الأفخاذ واحدها فخذ، وهم كبني هاشم من لؤي. ثم الفضائل والعشائرن واحدتهما فصيلة وعشيرة.
وقيل: الشعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل.
وقال بعض العلماء: الشعوب هم الذين لا ينسبون إلى إنسان، بل إلى مدينة أو قرية. والقبائل العرب الذين ينسبون إلى آبائهم. هذا الذي ذكره الثعلبي وغيره في التفاسير. وقال بعض العلماء: أول قسم من أقسام علوم النسب الجدم، يعني جدم النسب. قال الشاعر:
جد منا قيس ونجد دارنا ... ولنا الأب بها والمكرع
ثم الثاني جمهرة الأنساب، أي: مجموعها، ثم الثالث الشعوب، ثم الرابع القبيلة، ثم الخامس العمارة، ثم السادس البطن، ثم السابع الفخذ، وهو أصغر من البطن، ثم الثامن العشيرة، ثم التاسع الفصيلة، ثم العاشر الرهط والأسرة.
وقال قوم: هذه مراتب بعضها عالية، وبعضها متوسطة، وبعضها سافلة. مثال ذلك عدنان جدم، وقبائل معه جمهور، ونزار شعب، ومضر قبيلة، وحدف عمارة، وحدف أيضًا الياس بن مضر، وكنانة بطن، وقريش فخذ، وقصي عشيرة، وعبد مناف فصيلة، وبنو هاشم رهط.
وذكر أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة: إن شعوب اليمن والقبائل ربيعة ومضر، فبنو قحطان شعوب، وبنو عدنان قبائل.
وروى هشام عن أبيه أنه قال: وضعت الشعوب والقبائل والعمائر والبطن والأفخاذ والفصيلة والعشيرة على مقادير خلق الإنسان.
فالإنسان هو الشعب؛ لأن الجسد ينشعب منه، ثم القبيلة وهي رأسه من قبائل الرأس وهي الاطباق، ثم العمائر الصدور وفيه القبائل، ثم البطون من البطن، ثم الأفخاذ والفخذ أسفل من البطن، ثم الفصائل وهي الركبة؛ لأنها انفصلت عن الفخذ، ثم العشيرة كالساق والقدم؛ لأن الساق والقدم حملتا ما فوقهما لحسن المعاشرة، ولم يثقل عليهما حمل ما فوقهما.
وإنما قيل لهم شعوب حين تفرقوا من ولد إسماعيل فتشعبوا، ثم القبائل حين تقابلوا ونظر بعضهم إلى بعض في محلة واحدة كقبائل الرأس، وأنشد:
قبائل من شعوب ليس فيهم ... كريم قد يعد ولا نجيب
وقال آخر:
قبيلة من قبائل ضل شعبهم ... لا خير فيهم سوى كثير من العدد
ثم العمائر حين عمروا الأرض وسكنوها، قال الشاعر:
عامر من دون القبيل أبوهم ... مكارم مضيافون من آل هاشم
ثم البطون حين استبطنوا الأودية ونزلوا وبنوا البيوت، قال الأوادي:
بطون صدق من درى العمائر
وقال الطائي:
استبطنوا البطن إذا ساروا وقد علموا ... ألا رجوع لهم ما جنت الميب
الأفخاذ الفخذ أصغر من البطن. ثم الفصائل حين انفصلوا عن الأفخاذ، قال الله تعالى " فصيلته التي تؤويه " وقال الشاعر:
وفصيلة بانوا من الأفخاذ
ثم العشائر حين انضم كل بني أب إلى الأب فحسن معاشرتهم، قال الشاعر:
1 / 7
فكنت لكم عشرًا من أبيكم ... بلا صفد ولا قول جميل
وليس بعد العشيرة شتى
وقال: والعشيرة مثل عبد مناف، قال لبيد:
ومقسم يعطي العشيرة حقها ... ومعدم لحوقها مضامها
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " خرج النبي صلى الله عليه وآله فمشى حتى قام على الصفا، ثم قال: يا آل فهر، فجائته قريش بقضهم وقضيضهم، فقال لهم أبو لهب: هذا قريش عندك.
ثم قال: يا آل غالب، فرجع بنو محارب وبنو الحرب ابنا فهر. ثم قال: يى آل لؤي فرجع بنو الأدرم وهم بنو تميم بن غالب. ثم قال: يا آل كعب، فرجع بنو عامر بن لؤي. ثم قال: يا آل مرة، فرجع بنو جمع وبنو سهم ابنا نضر وبنو عدي بن كعب.
ثم قال: يا آل كلاب، فرجع بنو تميم وبنو مخزوم. ثم قال: يا آل نضر، فرجع بنو زهرة. ثم قال: يا آل عبد مناف، فرجع بنو عبد الدار وبنو أسد، فقال له أبو لهب: هؤلاء بنو عبد مناف.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم الأقربون من قريش، وإني لا أملك لكم من الدنيا حظًان ولا من الآخرة نصيبًا، إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله وأني رسول الله. فأشهد لكم بهذه الكلمة عند ربكم، ويدين لكم بها العرب، ويذل لكم بها العجم. فقال له أبو لهب: سائلك ألهذا دعوتنا، فأنزل الله تعالى قوله " تبت يدا أبي لهب وتب ".
ويقال لجماعة من الناس، فئام والنفر والرهط دون العشيرة. ويقال: السادة العلوية أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله رهط المصطفى. وقال أبو عمرو كلثوم بن عمرو العياني في المقصورة:
قبائل ما مثلها قبائل ... الا بنو هاشم رهط المصطفى
لا يصطلى بنارهم عند الوغا ... ويصطلى بنارهم عند القرى
هم الجبال امتنعت أن ترتقى ... هم البحار ليس يعلوها القذى
والعصبة دون العشيرة إلى الأربعين. وأسرة الرجل رهطه الأدنون من أهل بيته. كذا ذكر هذه الجملة أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة.
فصل
قوله تعالى وقطعناهم اثنتا عشرة أسباطًا
قال أبو عبيدة: الأسباط قبائل بني إسرائيل، يقال: من أي سبط أنت؟ أي: من أي قبيلة أنت وجنس؟ قال: والسبط دون القبيلة. قال المفسرون: الأسباط ولد يعقوب ﵇.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين سبطان من هذه الأمة.
وقيل: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله لكل نبي سبط فمن سبطك يا رسول الله؟ فغضب رسول الله من ذلك، فقال السائل: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله، فقال رسول الله ﵌: أنا خير الأنبياء وسبطاي الحسن والحسين وهما خير الأسباط.
قال الله تعالى " وإسحاق ويعقوب والأسباط " قال بعض المفسرين: الأسباط الأنبياء من بني إسرائيل دون غيرهم، فلما زالت النبوة من بني إسرائيل زال هذا الاسم عنهم، وقال الشاعر:
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
قيل: لما انتقلت النبوة من أولاد إسحاق إلى أولاد إسماعيل ﵉ نقل اسم السبط عنهم إلى ولد إسماعيل ﵇.
وقال قوم: هود وصالح وشعيب ﵈ كانوا من العرب، ولكنهم من قدماء العرب الذين يقال لهم: العرب العاربة، وما كانوا من ولد إسماعيل ولا من الأسباط بل هم شعوب.
قيل: لفظ العرب منسوب إلى يعرب بن قحطان، والأصل يعربي، فاستثقلوا الياء وطرحوها.
قال الجار ربحي صاحب التكملة: المعربة ساحة العرب، وبها سموا وإليها نسبوا، قال الشاعر:
وعربة قوم ما يحل حزامها ... من الناس إلا اللوزعي الحلاحل
وقيل: سميت العرب عربًا لحسن بيانها في عباراتها وإصلاح معانيها، من قولهم قد أعربت عن القوم إذا تكلمت عنهم. والأعراب في اللغة: الإيضاح والإبانة. وفي الحديث: البنت تعرب عن نفسها، أي: تفصح. والعرب والعربة النفس، قال الشاعر:
نفحتني نفحة طابت بها العرب
وقيل: العربة النهر، فسمي ما وراء دجلة والفرات العرب بسبب المجاورة. وأمثال ذلك كثيرة.
تبصرة
معنى قول النبي أنا ابن الذبيحين
1 / 8
اختلف سلف الإسلام في الذبيح، فقالت اليهود والنصارى: الذبيح إسحاق ﵇. وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ أن الذبيح كان إسحاق. وروي أيضًا عن جماعة من الصحابة أن الذبيح كان إسحاق بن إبراهيم ﵉. وروى عمر بن الخطاب ذلك، وإليه ذهب كعب الأحبار، وسعيد بن جبير، ومسروق بن الأخدع، وأبو الهذيل، والزهري والسدي.
وقيل: إن يعقوب كتب إلى يوسف ﵉ أما جدي إبراهيم، فقد ابتلاه الله بالنار، ثم صيرها عليه بردًا وسلامًا. وأما أبي، فابتلاه الله بالذبح، ثم فداه بذبح عظيم.
وقال يوسف في مصر حين عرضه النخاس على الناس وقال: من الذي يشتري غلامًا صبيحًا عالمًا: لا تقل هذا وقل من يشتري يوسف الصديق ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
وقال عبد الله بن عمر، وعامر بن واثلة، وسعيد بن المسيب، والشعبي، ومجاهد: إن الذبيح إسماعيل.
وكان الشعبي يقول: رأيت قرن الكبش الذي كان فدا إسماعيل معلقًا من الكعبة، ثم أحرق البيت وما فيه الحجاج بن يوسف في أيام خلافة عبد الله بن الزبير. وروى عمر بن عبيد عن الحسن البصري أنه قال: لا يشك في أن الذبيح هو إسماعيل. وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح. وروى عبد الله بن عباس أن الذبيح إسماعيل، وقال: إن اليهود حرفوا ذلك حسدًا، ونقلوا الذبيح إلى إسحاق. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قد روي حديث يدل على أن الذبيح إسماعيل. أما الحديث الأول، فالحديث الذي رواه العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الذبيح إسحاق. والحديث الآخر ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين عنى به إسماعيل ﵇ وعبد الله.
وقال قوم: إن جد المصطفى ﵇ هو إسحاق لا إسماعيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله ذكر أنسابه إلى معد بن عدنان ووقف، وقال ﵇: كذب النسابون بعد ذلك.
واتفق أكثر العلماء على أن إسماعيل بن إبراهيم هو جد النبي صلى الله عليه وآله، وهو الذي أعان إبراهيم ﵇ على بناء الكعبة، قال الله تعالى " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل - إلى قوله - ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك " إلى آخر الآية.
وقيل: إن عبد المطلب لما حفر زمزم قال: إن سهل الله علي حفر زمز علي ذبح أحد أولادي، فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله وقالوا: أفد ابنك بمائة من الإبل، وفي ذلك روايات مختلفة، والله أعلم.
فصل
وذكر زبير قاضي مكة أن يزيد بن معاوية حج بالناس سنة خمسين من الهجرة، وحج بالناس عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس سنة خمسين ومائة، وبين الوقتين مائة عام، وهما في القعدد بعبد مناف سوى، والقعدد القليل الآباء إلى الجد الأكبر. يقال: قعدد وقعدد بفتح الدال وضمها.
وبيان ذلك: أن عبد الصمد هو عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وبين موت يزيد وموت عبد الصمد مائة سنة، والأب السادس لعبد الصمد هو عبد مناف، وكذلك الأب السادس ليزيد عبد مناف، والنسابون يقولون بهذه الوراثة بالقعدد. وهذا أصل في معرفة علم الأنساب والسلام.
فصل
الآيات الواردة في النسب وفضيلته
قال الله تعالى في سورة النساء " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام ".
قوله " خلقكم من نفس واحدة " أي: من آدم ﵇ وبث منهما أي: أظهر البشر من آدم وحواء ﵉.
قال أكثر المفسرين: أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها. وهذا عام ودليل على أنه لا يجوز قطع رحم النبي صلى الله عليه وآله.
قال الإمام علي بن أحمد الواحدي، فيما حدثني به الإمام محمد بن الفضل الفزاري عنه: اتقوا الله الذي تسائلون فيما بينكم حوائجكم وحقوقكم به، فيقولون: أسألك بالله وأنشدك الله. وكذا كانت العرب تقول.
قال أكثر المفسرين: والأرحام عطف على اسم الله في قوله تعالى واتقوا الله والمعنى: اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها.
1 / 9
فإن قال قائل: كيف يقع الاتقاء على الأرحام؟ والأرحام يوصل ولا تيقى. وكيف يعطف الأرحام على الله تعالى؟ وكيف عطفت هذه التقوى المتقدمة؟ وليس ها هنا شيء يوجب العطف؛ لأن قوله اتقوا ربكم الذي خلقكم قد أوجب التقوى لله؛ لأن الذي خلقهم من نفس واحدة هو الله الذي تساءلون به. وظاهر قوله " واتقوا الله الذي تسائلون به " يشير إلى تقوى ثانية قد فرضت عليهم مع التقوى الأولى.
قيل له: أما اقتضاء الاتقاء للأرحام، فالوجه فيه اتقاؤها أن تقطع، وقد يقول القائل: اتق الرحم أن تقطعها. ولهذا الكلام نظائر كثيرة يعرفها من عرف طريقة اللغة.
وأما وجه عطف الأرحام على الله في هذه الآية، فإن هذه الآية آية فيها الحث على صلة الرحم والمقصود من الآية صلة الرحم وبيان ذلك قوله تعالى " خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها " والمتقي للرحم أن يقطعها إنما يتقي ذلك باتقائه الله تعالى ﷿.
وللعرب عادة في مثل هذا الكلام ممن شاء قال: اتق الله في الرحم أن تقطعها، ومن شاء قال: اتق الله والرحم ومن يقطعها، ومن شاء أوجز وقال: الله والرحم. وفي ذلك كلام طويل ذكره أبو المطهر القائني في سؤالات القرآن.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقال الله تعالى: " أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ".
قال بعض العلماء: التقوى اجتماع الطاعات، وأوله ترك الشرك، وآخره اتقاء كل ما نهى الله تعالى عنه.
وقوله تعالى " وخلق منها زوجها " حكم الله تعالى بسكون الخلق مع الخلق لبقاء النسل، ورد المثل إلى المثل، ثم نبه أصناف الناس على غوامض الحكمة حين خلق جميع هذه الخلائق من نسل شخص واحد على اختلاف هممهم وتفاوت صورهم وتباين أخلاقهم. وتكرير الأمر بالتقوى في قوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " يدل على تأكيد حكمته.
ولا طريق إلى صلة الرحم إلا بمعرفة الأنساب.
قال النبي صلى الله عليه وآله: " صلة الرحم تزيد في العمر ".
وقال ﵇: " اعرفوا أنسابكم لتصلوا به أرحامكم ".
وقال ﵇: " الوصول من وصل رحمًا بعيدًا، والقطوع من قطع رحمًا قريبًا ".
قوله تعالى " ذريةً بعضها من بعضٍ والله سميعٌ عليمٌ " قال بعض المفسرين: ذرية بعضها من بعض أي: بعضها من ولد بعض. وقيل: أي بعضهم على دين بعض.
وذكر الثعلبي في تفسيره عن الأعمش عن أبي وائل أنه قال: قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين وسيأتي بعد ذلك تفسيره.
قال الإمام علي بن أحمد الواحدي: إنما خص هؤلاء بالذكر؛ لأن الأنبياء بأسرهم من نسلهم. والذرية: الذكور والإناث من الولد وولد الولد؛ لأن الذرية من ذر الله الخلق، والذرية أولاد الابن وأولاد البنات، وقد جعل الله تعالى عيسى ﵇ من ذرية إبراهيم، وهو من ولد البنات.
وأصل الذر إظهار الخلق بالإيجاد، يقال: ذر الخلق وأصله الظهور، ومنه: ملح ذراني لظهور بياضها. والذرية لظهورها ممن هي منه. قال بعض العلماء: إن الله تعالى اصطفى آدم بالحسب، واصطفى أولاده بالحسب والنسب حيث قال: ذرية بعضها من بعض.
قوله في سورة النحل " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطيبات ".
قال بعض المفسرين: الحفدة أولاد الأولاد. وقال بعضهم: الأعوان.
وقال عطاء بن أبي رباح: هم أولاد الرجل الذي يعنونه ويحفدونه ويرقدونه. وقال قتادة: الحفدة الأولاد الذين يخدمون الآباء. قال الكلبي: الحفدة الأولادة الكبار. وقال ابن عباس: الحفدة أولاد الأب وأولاد البنت. وقال غيره: الحفدة بنو المرأة من الزوج الأول. وأصل الحفد الإسراع في المشي.
وفي الدعاء وإليك نسعى ونحفد أي: نسرع إلى العمل بطاعتك.
قوله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى " هذه الآية في سورة حمعسق.
1 / 10
قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة كان يلزمه حقوق من جهة الصادر والوارد، ولم يكن عنده صلى الله عليه وآله سعة من المال، فقال الأنصار: إن رسول الله صلى الله عليه وآله رجل هدانا الله به، وله نسب منا ويلزمه حقوق وليس في يديه مال، فتعالوا حتى نجمع له من أموالنا مالًا يصرفه وينفقه، حتى نستعين به على أداء حقوق يلزمه، ففعلوا ذلك، ثم عرضوا هذا المال عليه، فتوقف رسول الله صلى الله عليه وآله في قبول المال حتى نزل جبرئيل وأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: أجمع المشركون في دار الندوة وقالوا: تعالوا حتى نعين لمحمد أجرًا حتى لا يتعرض لديننا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وهذا القول موافق لظاهر التنزيل؛ لأن هذه السورة مكية.
قال الحسن البصري: المودة في القربى التودد إليه بالطاعة والتقرب إليه بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال ابن عباس: معنى الآية أن أكثر أقارب رسول الله صلى الله عليه وآله خالفوه وكذبوه، فقال تعالى " لا أسألكم عليه أجرًا " إلا حفظ قرابتي وصلة رحمي، فإنكم قومي وأحق الناس بطاعتي.
وقال سعيد بن جبير وغيره من العلماء: معنى الآية مودة أقارب رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ حقوقهم ومحبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفرق بعض المفسرين بين المودة والمحبة فقال: المودة ما يتعلق بواحد بسبب غيره، مثال ذلك من يود حافظ القرآن بسبب القران ونود العلماء بسبب العلم، ويود أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله. والمحبة أعم من المودة.
وحدثني الإمام علي بن محمود النصر آبادي، قال: حدثنا الإمام علي بن أحمد الواحدي، قال: حدثنا الإمام المفسر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي العدل، قال: حدثنا برهان بن علي الصوفي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، قال: حدثنا حرب بن الحسن الطحان، قال: حدثنا الحسين الأشقر، قال: حدثنا قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس ﵁ أنه قال: لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال ﵇: علي وفاطمة والحسن والحسين ﵃.
وحدثنا أستاذنا الإمام أحمد بن محمد الميداني، قال: حدثنا علي بن أحمد الواحدي، قال: حدثنا الإمام المفسر أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: حدثنا أبو منصور الحمشادي، قال: حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو بكر بن مالك، قال: حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا عبيد الله بن عائشة، قال: حدثنا إسماعيل بن عمرو، عن عمرو بن موسى، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ﵃ عن آبائه أن علي بن أبي طالب ﵁ قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حسد الناس لي، فقال ﵇: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا على أيماننا وعن شمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا.
وبالإسناد المتقدم قال قال: حدثنا أبو منصور الحمشادي، قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن همام، قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن رزين، قال: أخبرنا حسان بن حسان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جذعان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة أم المؤمنين ﵂ عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لفاطمة ﵂: ايتني بزوجك وابنيك، فجائت بهم، فألقى عليهم كساءه، ثم رفع يده فقال: اللهم هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء حتى أدخل بينهم، فقال صلى الله عليه وآله: إنك على خير ثلاثًا.
وقيل: لما دخل علي بن الحسين زين العابدين ﵄ كورة دمشق بعد قتل أبيه قام خطيب من خطباء الشام، وقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرن الفتنة بهلاككم. فقال له زين العابدين ﵁: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. فقال له: أفما قرأت قول الله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى " قال: وإنكم هؤلاء؟ فقال زين العابدين: نعم. فقال الشامي: اللهم اغفر.
1 / 11
وقيل: القربى ولد عبد المطلب، كما روى أنس بن مالك الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى واحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها، فأنا أجازه غدًا إذا لقيني في يوم القيامة.
وقيل: القربى هم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وقال الله تعالى " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " وقال تعالى " وآت ذا القربى حقه ".
وذكر الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من مات على حب آل محمد مات شهيدًان ومن مات على حب آل محمد وقد غفر الله له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيدًا، ومن مات على حب آل محمد وقد غفر الله له، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح الله في قبره أبوابًا من الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسنًا إن الله غفورٌ شكورٌ " قال ابن عباس: " ومن يقترف حسنةً نزد له حسنًا " المودة في آل محمد.
ونهى الله عن قطع الرحم، حيث قال " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم "، وروى عبد الله بن معقل أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ".
وذكر محمد بن جرير في تاريخه: إن المهدي محمد بن جعفر بن المنصور كان يصلي ذات ليلة ويقرأ القرآن في صلاته وحاجبه الربيع حاضر في حجرته، فلما انتهى إلى هذه الآية رددها مرارًا وبكى بكاءًا شديدًا ثم سلم، وقال للربيع: اذهب إلى موسى بن جعفر الصادق ﵄ وائتني به، فذهب الربيع وأخبر موسى بذلك.
فدخل عليه موسى ﵁ فقام المهدي وعانقه وقال: يا موسى عاهدت الله أن لا أؤذيك ولا أؤذي أحدًا من أهل بيتك ما عشت، خوفًا من أن أكون كما قال الله تعالى فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم فبكى موسى ﵁ وودعه وخرج سالمًا، وقال للمهدي: أوصل الله تعالى بركة الصلة الرحم إليك.
وقال الله تعالى في سورة مريم " أولئك الذين أنعم الله عليهم من ذرية آدم وممن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل " هذه الآية دليل واضح على شرف الأنساب، ووجوب حفظ النسب، وقد جمع الله تعالى بين وصفهم بالنبوة وذكر أنسابهم إلى آدم ونوح وإبراهيم وإسرائيل ﵇، فلو لم يكن النسبة إلى الأنبياء شرفًا وفضيلة لما قرنها الله تعالى مع شرف النبوة والسلام.
فصل
فضائل السبطين
الحسن والحسين وفضل أولادهما ﵃
أخبرني الإمام علي بن عبد الله بن محمد بن الهيضم النيشابوري، قال: أخبرني والدي أبو بكر عبد الله، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن علي بن أحمد العاصمي مصنف كتاب زين الفتى بإسناده أن واحدًا من الملوك قال: من أكرم الناس أبًا وأمًا وجدة وأختًا وخالًا وخالة؟ وكان الحسين بن علي ﵄ حاضرًا.
فقام النعمان بن بشر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وأشار إلى الحسين بن علي ﵄ وقال: هذا هو الذي أردت، جده محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، وأبوه علي المرتضى ﵁، وأمه فاطمة الزهراء ﵂، وجدت خديجة الكبرى، وهي أول امرأة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وصلت معه، وعمه جعفر الطيار، وعم أبيه حمزة سيد الشهداء، وعمته أم هاني، وخاله القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، وخالته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فلما خرج الحسين بن علي ﵄ من هذا المجلس قال بعض من حضر للنعان: يا أخا زريق حب بني هاشم دعاك إلى أن قلت ما قلت، فقال النعمان: ما قلت غير الحق، والله ما أطاع رجل مخلوقًا في معصية الله إلا حرم الله أمنيته عليه في الدنيا، ولقى الشقاء في الآخرة.
1 / 12
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فاطمة بضعة مني، والحسن والحسين فرعان لهذه البضعة.
وروى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن ملكًا استأذن ربه حتى سلم علي وبشرني بفاطمة وأنها سيدة نساء أهل الجنة.
وقال أنس بن مالك: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي باب فاطمة ﵂ عند الصبح ويقول: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ورحمة الله وبركاته إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا.
وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله.
وقال أسامة بن زيد: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وقلت: أي أهلك أحب إليك؟ فقال ﵇: أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد.
وروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ذكر خديجة كان لا يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ويقول: خديجة سيدة نساء أمتي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما زارني جبرئيل في مدة حياة خديجة إلا قال لي: أخبر خديجة أن ربها يقرأ ﵇ ويبشرها ببيت في الجنة.
وروت عائشة أنه قد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله جدي مشوي، فكشف صلوات الله عليه الثوب عن ذراعيه وقطعها، وبعث قطعتين إلى امرأتين، فسألت عائشة فقالت له: لم فعلت ذلك وغمست يديك فيه؟ وقد كان فينا من يكفيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويحك أن خديجة أوصتني بهاتين المرأتين.
وأما جعفر الطيار فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله له: يا جعفر أشبهت خلقي وخلقي.
أما أم هاني فقد دخلت يوم الفتح وقالت: يا رسول الله قد أجرت رجلًا من جيراني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أم هاني قد أجرنا ما أجرت.
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد الحسن والحسين ﵄ وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
وكان أبو هريرة ما رأى الحسن بن علي ﵄ إلا فاضت عينه بالدموع، فسئل عن ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين انصرف من غزوة بني قينقاع وهو يدخل لسانه في فم الحسن ﵁ ويقول: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاث مرات.
وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أراد أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة سوى عيسى ويحيى، فلينظر إلى الحسين بن علي.
وقال ﵇: الحسين مني وأنا منه أحب الله من أحبه.
وحدثني السيد الأجل أبو الغنائم حمزة بن هبة الله الحسيني بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض: الضارب سيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والناصح لهم بقلبه ولسانه.
قال ابن أبي حازم وهو من العلماء السلف: ما رأيت هاشميًا أفضل من زين العابدين علي بن الحسين ﵄.
فصل
روى عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أحبوا العرب فإني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي.
وقال ﵇: من أحب العرب فيحبني أحبهم، ومن أبغضهم فيبغضني أبغضهم.
وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله أنه إذا زالت العرب زال الإسلام.
وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: العرب نور الله في الأرض، فإذا ذهبت العرب أظلمت الأرض، وذهب ذلك النور. والله أعلم.
روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الناس تبع لقريش في الخير والشر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بني هاشم إذا أخذت حلقة الجنة ما بدأت إلا بكم.
وقال جعفر بن محمد الصادق ﵄: لما مات إبراهيم خليل الله ﵇ خرج إسماعيل من مكة ودخل على أخيه إسحاق ﵇ وقال له: أطلب منك ميراث أبي، فقال له إسحاق: وأي ميراث لك؟ وأمك جارية مملوكة لأمي، فعاد إسماعيل مغتمًا وهو يقول:
الحمد لله الجواد بمنه ... الملك الملوك الدائم القيوم
والحمد لله الذي هو ربنا ... غوث الضعيف وناصر المظلوم
1 / 13
والحمد لله الذي هو باعث ... من في القبور لوقته المعلوم
فنزل جبرئيل ﵇ وقال: يقول لك الله: يا إسماعيل قد جعلت النبوة والخلافة في ولدك إلى يوم القيامة. وكان جعفر الصادق ﵁ يقول: هذه أفضل فضيلة العرب لولد إسماعيل على ولد إسحاق، وحسب العرب بها فضيلة.
وقال أكثم بن صيفي حكيم العرب: دخلت البطحاء، فرأيت بني هاشم حول عبد المطلب كأنهم بدور ونجوم، فقلت لقومي: يا بني تميم إذا أراد الله أن ينشأ رفعة ودولة أنبت بها مثل هؤلاء، هذا غرس الله لا غرس الناس.
هرب الناس إلى قصي بن كلاب فرآه شابور وسأله عن حاله، فقال: أنا شيخ عاجز عن الهرب، ثم قال قصي لشابور الملك: ما هذا الذي تفعل بالعرب؟ فقال شابور: لما روي عن علمائنا أنه يكون في العرب نبي يكون بيده هلاك عقبي من بعدي، فأردت أن استأصل العرب.
فقال قصي: بئس ما رأيت من الرأي، أيها الملك إن كان ما سمعت حقًا، فإنه لا يمكنك أن ترده، لأنه ليس لملك الأرض أن يرد قضاء ملك السماء والأرض. وبئسما أورثت عقبك من بعدك، فإن هذا النبي إذا خرج وسمع ما فعلت بآبائه كافى وفعل بأبنائك ما فعلت بآبائه، وإن كان ما سمعت عن أمر هذا النبي غير حق فقد أفنيت العرب لا شيء.
فلما سمع شابور هذا الكلام سكت ساعة، ثم قال: لقد صدقت، لا ينبغي لملوك الأرض رد قضاء ملك السماء والأرض، ثم خلع على قصي وعطره بالمسك والعنبر وطوقه. وقيل: كان الطوق من ذهب. وسوره بأساور من ذهب، وتوجه بتاج من تيجان الملوك، ووضع له سريرًا بجنب دار الندوة وهي دار قصي، وقال لقصي: أنت سيد العرب، وقد وهبت لك العرب كلهم بعد اليوم، ورجع عن مكة.
فقال الناس: العرب كلهم موالي قصي بن كلاب وطلقائه. وكان قصي جد رسول الله ﵌.
وفي هذا المعنى كلام طويل، يحتاج إلى تسويد أوراق كثيرة، ولو اشتغلت ببيانه وتفصيله لخرج الكتاب عن حد الإيجاز وأدى إلى الملال. ولما كان المقصود من هذا الكتاب تفصيل الأنساب، قنعت بطرف من فضائل أصول هذا النسب، ليدل فضائل الأصول على فضائل الفروع، والله تعالى ولي التوفيق، ومنه العون وبه التوفيق.
فصل
الأنساب والألقاب وأسبابها
من أولاد رسول الله ﵌ على ترتيب الحروف، ومن الألقاب ما ليس له سبب مشهور ولا علة معروفة، فلذلك خليت بيت كل لقب ليس له سبب مشهور، وربما كان له سبب لم يصل إلي، وفوق كل ذي علم عليم، والتوفيق من الله الذي هو رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
فصل
تفضيل بني هاشم
على سائر القريش
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله خلق سبع سماوات، فاختار العليا فأسكنها خلقه، ثم اختار خلقه فاختار بني آدم، ثم اختار من بني آدم العرب، ثم اختار من العرب بني نضر قريشًا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فلم أزل خيارًا في خيار.
وقال أيضًا صلى الله عليه وآله: إن الله اصطفى من ولد بني آدم إبراهيم واتخذه خليلًا، ثم اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزار، ثم اصطفى من ولد نزار بني نضر، واصطفى من بني نضر بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب، واصطفى محمدًا من بني عبد المطلب. وقال ﵇: ثم اجتذبني أب أفضل من بني هاشم.
وقال العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله: إني قلت للنبي ﵇: إن قريشًا جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في روضة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى يوم خلق الخلق خلقني خيرهم، ثم خير فرقهم فجعلني خير الفريقين، ثم جعلها قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلها بيوتًا فجعلني في خير بيوتهم، وأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما مسني عرق سفاح قط، وما زلت أنقل في الأصلاب السليمة من الرحوم والأرحام البرية من العيوب.
وهذا الحديث يدل على شرف بني هاشم، وطيب أصلهم وفضيلتهم في النفساء والتهذيب والتصفية والتنقيح.
1 / 14
وفي الزمن الماضي ما وقع التشاجر بين بني هاشم ومخزوم وأمية وعبد شمس، بل سلموا الفضائل بأسرها لبني هاشم، فلا فضيلة للعرب إلا وهي موجودة في بني هاشم. ولبني هاشم فضيلة المصطفى، وليس لأحد مثل هذه الفضيلة ولهذا قال الشاعر لبني مخزوم وهو يخاطب واحدًا منهم:
ولد المغيرة تسعة ... كانوا صناديد العشيرة
وأبوك عاشرهم كما ... نبتت مع النخل الشعيرة
إن النبوة والخلا ... فة والسقاية والمشورة
في غيركم فاكفف إلي ... ك يدًا مجذمة صغيرة
وقال الفضل بن عباس: في مكة نحن كإسكانها من قريش، وبنا سميت قريش قريشًا. وقال الشاعر لبني هاشم:
أبوكم قصي كان يدعي مجمعًا ... جمع الله القبائل من فهر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم ... به زيدت البطحاء فخرًا على فخر
واسم قصي زيد وقصي لقبه، وسمي قصيًا لأنه أقصى قومًا وأدنى آخرين. واسم زيد في آل علي بن أبي طالب ﵁ كثير، لأنه اسم جدهم قصي، قصي هو الذي أدخل الحرم كنانة، وأخرج من الحرم خزاعة، ودفع شابور الملك عن مكة، وقيل لهاشم القمر. قال الشاعر.
إلى القمر البادي المقيم دعوته ... ومطعمهم في الأذل والضيق والجدب
ومن الذي أطعم قريشًا من ماله في الجدب حتى عاشوا سوى هاشم، حتى قال فيه الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وعبد المطلب هو مطعم الناس والوحوش، إذا هبت الشمال نحر جزورًا وأطعم الناس والوحوش. وهو أكمل العرب جمالًا، وأطهرهم بيانًا، وهو الذي رآه أبرهة الملك صاحب الفيل، فنزل من سريره وجعل معه على البساط احترامًا له، واسمه شيبة الحمد. قال مطرود الخزاعي وهو من المعمرين:
يا شيبة الحمد الذي تثنى له ... أيامه من خير ذخر الذاخر
المجد ما حجت قريش بيته ... ودعا هزيل فوق غصن ناضر
والله لا أنساكم وفعالكم ... حتى أغيب في تراب القابر
وقال حذافة بن غانم العدوي:
بني شيبة الحمد الكريم فعاله ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
وقال العبدي:
لا ترى في الناس حيًا مثلنا ... ما خلا أولاد عبد المطلب
وكل واحد من الشعراء أسلم المجد لبني هاشم ولبني عبد المطلب، حتى قال بعض الشعراء:
إنما عبد مناف جوهر ... زين الجوهر عبد المطلب
وبعد فمن يناضل ويفاخر رجالًا ولدوا محمدًا المصطفى صلى الله عليه وآله مع ما ذكر، من أن الله تعالى أعطى عبد المطلب من تفجر العيون تحت كلكل بعيره، وأعطاه عند المساهمة وعند المقارعة من الأمور العجيبة، ورد بسببه أصحاب الفيل عن مكة. وأنزل الله تعالى في هذه القصة " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " وكان ذلك في عهد عبد المطلب.
وكانت قصة الفيل عند قريش كالعيان، وكان العهد قريبًا، حتى قالت عائشة: رأيت سائق أصحاب الفيل أعمى يطوف في سكك مكة ويستطعم.
وقد أصاب أهل مكة جدب، فاستسقى عبد المطلب وقام على الصفا وقال: اللهم أنت عالم غير معلم، هؤلاء عبادك يشكون إليك سنة أكلة الجيف والنطف، فأمطر اللهم علينا غيثًا مغيثًا مغدقًا، فما قعد حتى تفجرت السماء بمائها. وقال الشاعر:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا وأجود المطر
فجاد بالماء جون له سبل دان ... فعاشت به الأنعام والشجر
منًا من الله بالميمون طائره ... وخير من شرف يومًا به مضر
مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر
وبنو هاشم كانوا أعقل العرب، وأدهى البرية، وأفصح الناس لسانًان لكثرة ما يرد عليهم من اختلاف الأخلاق والألسنة، وليس لقبائل العرب في حلف الفضول نصيب، وهو أشرف حلف، وأكرم عقد كان في قريش إلا لبني هاشم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.
وذلك الحلف كان اتفاقًا منهم على نصرة المظلوم وقهر الظالم حتى قال قائلهم:
حلفت لنقعدن حلفًا عليهم ... وإن كنا جميعًا أهل دار
1 / 15
نسميه الفضول إذا عقدنا ... يعز به الغريب لدى الجوار
ويعلم من حوالي البيت أنا ... أباة الضيم نهجر كل عار
ولم تكن الرفادة والحجاية والسقاية والدار الندوة واللواء والنيران إلا لبني هاشم في الجاهلية، وسائر قريش تبع لبني هاشم. ولا يخفى تفاوت ما بين التبع والمتبوع.
فقريش طلقاء قصي حين رد عنهم شابور الملك، كما تقدم. وعتقاء عبد المطلب حين رد الله عنهم أبرهة صاحب الفيل بدعاء عبد المطلب حين قال: للبيت رب يحفظه. ثم قال: اللهم إن المرء يحفظه في رحله وبيته، فاحفظ بيتك، فأرسل الله على أبرهة طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.
وكان هاشم يطعم الحاج كل سنة من خاص ماله، ويزود كل فقير حتى يصل بمعونته من مكة إلى بيته، فأراد أمية أن يطعم الحاج سنة فاستأذن، فأذن له هاشم، فنفد مال أمية وما تيسر لهمة الحاج، فغضب من ذلك هاشم، ونحر في الحال من خاص ماله ثلاثمائة جزور، وأمر باتخاذ الفالوذج من العسل المصفى، وأطعم الحاج وردهم إلى مواطنهم، وزود الفقراء منهم، وغضب على أمية وطرده وقال: لم تفعل ما لا تستطيع فعله.
وكان عبد المطلب أيضًا يطعم الحاج، ويوقد المشاعل كل ليلة للحاج، وكانت سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام في يديه، وكان هذا الرسم جاريًا إلى عهد رئاسة العباس بن عبد المطلب، حتى جاء الإسلام وظهر أمر الله.
وليس في بني هاشم أحد إلا وقد اشتق له من فعله الكريم وخلقه العظيم لقب، فأول ذلك هاشم.
وقيل: حضر حرب بن أمية مع عبد المطلب عند نفيل بن العربي للمحاكمة والمفاخرة، فقال نفيل لحرب بن أمية: أنا أتعجب من إقدامك على عبد المطلب للمفاخرة وأنشد:
أبوك معاهر وأبوه عف ... وذاد الفيل عن بلد الحرام
وذلك أن أمية تعرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل من بني زهرة بالسيف، فأراد بنو أمية إخراج بني زهرة من الحرم، فما تيسر لهم ذلك.
وقال معاوية لدغفل النسابة: ما تقول فينا وفي بني هاشم؟ فقال دغفل: بنو هاشم أطعم للطعام وأضرب للهام. وقد جمع دغفل في كلامه بين السخاوة والشجاعة. ولا فضيلة للعرب وراء هاتين الفضيلتين.
ثم قال لمعاوية: أنت من هاشم في بيت مكرمة، ولا بني المصطفى الصيد للميامين، فحلم عند معاوية وسكت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما.
وقال صلى الله عليه وآله: بعثت من خير قريش.
وإن كان الفضل تكثر العدد، فولد عبد الله بن العباس وولد زين العابدين ﵁ من الكثرة في حد لا يضبط أعداد أولادهما الحساب، وهل في بني أمية وبني مخزوم مثل زين العابدين علي بن الحسين ﵄، ومثل علي بن عبد الله بن العباس، ومثل علي بن عبد الله بن جعفر الطيار؟ وهل فيهم في السخاوة مثل عبد الله بن جعفر الطيار؟ الذي وهب في يوم واحد للفقراء والمحاويج وأبناء السبيل ثلاثمائة دينار. ومثل عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ومآثره في كتاب ذكر الأجواد مشهورة.
وفي بني هاشم رجل ولدته أمان من أمهات المؤمنين، وهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄، ولدته خديجة أم المؤمنين وأم سلمة أم المؤمنين، وولدته مع ذلك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنت الحسين ﵁.
قال واحد من بني هاشم:
لما تخير ربي فاصطفى رجلًا ... من خلقه كان منا ذلك الرجل
لنا المساجد بناها وتعميرها ... وفي المنابر فقدان لنا ذلل
وإن كانت لقريش فضيلة على العرب بأن رسول الله صلى الله عليه وآله من قريش، فإن لهاشم ذلك الفضل أكثر وأوفر، وإنما فضل العرب برسول الله صلى الله عليه وآله، فبنو هاشم بذلك الفضل أولى من غيرهم.
والخيزران وزبيدة امرأتان من بني هاشم قد بذلتا من الأموال في سبيل الخيرات ما لم يبذله بنو أمية بأسرهم في مدة ملكهم، وآثارهما في طريق مكة باقية.
وكان من حكام قريش في الجاهلية شيبة الحمد عبد المطلب، والزبير بن عبد المطلب. وكانت سيدة العرب وأمناءهم على دينهم بنو هاشم، ومن أجواد العرب في الجاهلية هاشم بن عبد مناف، وقال الشاعر يذكر فيه بني هاشم وقال: يا هاشم، والمراد به بنو هاشم.
يا هاشم الخير إن الله فضلكم ... على البرية فضلًا ما له أبد
1 / 16
وإن بني هاشم أطعموا بالصبا ما هبت، فإذا أمسكت أمسكوا، فلا يدخل بيوتهم جايع إلا شبع، ولا خائف إلا أمن.
وقال الشاعر:
قريش خيار بني آدم ... وخير قريش بنو هاشم
فصل
قريش الطواهر وقريش البطائح
قريش البطائح: بنو عبد مناف، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو عبد الدار، وبنو تيم بن مرة، وبنو مخزوم بن يقظة، وبنو سهم، وبنو حميح، وبنو عدي بن كعب، وبنو عامر بن لوية إلا بني معيض وهلال بن مالك، وبنو هلال بن أهيب.
وإنما قيل لهم ذلك لأنهم دخلوا مع قصي الأبطح. وأفاته القبائل الآخر بظواهرها، فسموا قريش الطواهر وهم: هيثم بن غالب بن فهر، ومعيض بن عامر بن لؤي، ومحارب والحارث ابنا فهر، فهؤلاء قريش الطواهر.
وقوم منهم ليسوا من قريش الطواهر ولا من قريش البطائح، وهم: سأمة بن لؤي، والحرب بن لؤي، وسعد بن لؤي، وعوف بن لؤي، فنزل سأمة ونعمان والحارث في غرة وخزيمة وسعد في شبان، وعوف في بني دينان.
فصل
وعلماء الأنساب يقولون: مات ودرج وانقرض ولم يعقب، وفي كل لفظ فائدة يعرفها أرباب تلك الصناعة.
فأصل درج كما ذكر الجوهري في كتاب الصحاح: مشى، يقال: درج الرجل والضب يدرج دروجًا ودرجانًا، أي مشى، ودرج أي مضى لسبيله. يقال: درج القوم إذا انقرضوا، والإندراج مثله، وفي المثل أكذب من درب ودرج أي: أكذب الأحياء والأموات. قال الأصمعي: درج الرجل إذا لم يخلف نسلًا.
فأهل المغرب يطلقون لفظ درج على من مات فحسب، وأهل العراق يطلقون لفظ درج على من انقرض ولم يخلف نسلًا والأصل في درج أي مات ولم يخلف نسلًا وانقرض، أي: كان له عقب فانقرض هو وعقبه.
والشبهة في الأنساب تقع من هذا اللفظ لأن من انتمى إلى من لا عقب له، أوله عقب فانقرض، كان مدعيًا. وفي من لا عقب له خلاف بين النسابين، فقوم يقطعون على واحد أنه لا عقب له، وقوم يشكون فيه وفي عقبه، وها هنا تسكب العبرات.
فصل
ذكر السادات
الذين خرجوا وتبعهم الناس وادعوا الإمامة
وهم أئمة الزيدية.
أولهم: زيد بن زين العابدين ﵁، هو أبو الحسين زيد بن زيد العابدين ﵁ أمه أم ولد يقال لها: جيدًا، والمختار اشتراها بثلاثين ألف درهم وأهداها إلى زين العابدين ﵁.
وكانت ولادة زيد في سنة خمس وسبعين، ولما بشر بولادته زين العابدين ﵁ رفع المصحف ونظر فيه، فخرج من أول السطر " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " ففتح المصحف مرة أخرى، فوقع في أول السطر " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله " ثم فتح مرة أخرى فخرج " وفضل الله المجاهدين على القاعدين " فقال زين العابدين ﵁ عزيت والله عن هذا المولود، وأنه لمن الشهداء.
خرج في الكوفة أول ليلة من صفر سنة اثنين وعشرين ومائة، فقتله واحد من غلمان يوسف بن عمر بن هبيرة، رماه بسهم في المصاف.
فجزوا رأسه وبعثوا به إلى هشام بن عبد الملك، وصلبوا جسده بالكناسة، فبقي مصلوبًا إلى أن ظهرت رايات بني العباس، فأمر الوليد بن يزيد بإنزاله عن خشبته وإحراقه، ففعل ذلك وذروه في الفرات.
يحيى بن زيد بن علي ﵁، هو أبو طالب يحيى بن زيد، أمه ريطة بنت عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ﵁ انتقل إلى خراسان، ونزل بسانزوار في المسجد، يقال له: مسجد شاذان. وقتل بجوزجانان في رمضان سنة ست وعشرين ومائة، عشية يوم الجمعة، فقتل وصلب، ولم يزل مصلوبًا حتى ظهر أبو مسلم، وأنزله وكفنه ودفنه، وأمر بقتل من قتله وباع عليه سبعة أيام.
النفس الزكية، هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن المجتبى ابن أبي طالب ﵄. وقيل لأبيه: محض، لأنه لم يكن في نسبه أم ولد، أمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
وروي أنها حبلت في أربع سنين، وولد في سنة مائة من الهجرة، وخرج في جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة. وقيل: في شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، طعنه حميد بن قحطبة.
أخوه إبراهيم بن عبد الله، هو أبو الحسن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ﵁. وقيل: كل من اسمه إبراهيم من آل علي بن أبي طالب ﵁ فكنيته أبو الحسن. أمه أم أخيه.
1 / 17
وخرج بالبصرة، وخطب يومًا وقال في أثناء خطبته: اللهم يا حافظ الآباء في الأبناء، احفظ ذرية نبيك واذكرنا عندك بمحمد ﵇ فإنك تذكر الآباء بالأبناء فارتج المسجد بالبكاء، وحاربه عيسى بن موسى من جهة المنصور، فانهزم منه عيسى وإبراهيم واقف، فأصابه سهم عرب، فنزل من دابته وقضى نحبه، بموضع يقال له: باخمرى، في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة.
الحسين بن علي الفخي، هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. أمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. وقيل لأبيه وأمه: الزوج الصالح لعبادتهما.
خرج في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة، وخطب بالمدينة وقال: أنا ابن رسول الله على منبر رسول الله في حرم رسول الله، أدعو أمة رسول الله إلى كتاب الله وسنة جدي رسول الله. سار إلى فخ.
وقيل: إن حماد التركي في المصاف رماه بسهم، فقتل يوم عرفة في سنة تسع وستين ومائة.
يحيى بن عبد الله، هو أبو عبد الله يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. أمه قريبة بنت عبد الله بن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود. اختار جيل الديلم وأظهر الدعوة في الديلم، فأخرجه هارون الرشيد من الديلم إلى بغداد حتى مات في الحبس.
السيد محمد بن إبراهيم، هو أبو القاسم محمد بن إبراهيم طباطبا. أمه أم الزبير بنت عبد الله بن أبي بكر بن عباس. خرج من المدينة إلى الكوفة باستدعاء أبي السرايا السري بن منصور الشيباني، وظهر يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى، سنة تسع وسبعين ومائة.
السيد القاسم بن إبراهيم، هو أبو محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل. أمه هند بنت عبد الملك بن سهل بن مسلم. قيل: كان نجم آل رسول الله. بايعه أهل مكة والمدينة والكوفة وأهل الري وقزوين وطبرستان والديلم، فأقام بمصر نحو عشر سنين. وتوفي بذي الحليفة سنة ست وأربعين ومائة.
السيد يحيى الملقب بالهادي إلى الحق، هو أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن. أمه أم الحسن بنت السيد محمد بن الحسن بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن ﵁.
ظهر باليمن ودعا إلى نفسه مدة. وأول ظهوره في سنة ثمانين ومائتين. ومات في ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين.
الناصر للحق، هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ﵃. أمه أم ولد. قد كان به طرش من ضربة أصابت أذنه، أقام بطبرستان في كورة آمل، في شعبان سنة أربع وثلاثمائة، وله أربع وسبعون سنة، وكانت مدة ظهوره بآمل ثلاث سنين وأشهر.
الداعي إلى الله، هو الحسين بن القاسم، ورد آمل في رمضان يوم الثلاثاء لرابع عشرين من سنة أربع وثلاثمائة، بقي على أمره بعد الناصر اثنا عشر سنة. وقيل: سنة ست عشر وثلاثمائة يوم الثلاثاء وقت العصر في السابع والعشرين من رمضان.
المرتضى لدين الله، هو أبو القاسم محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. أمه فاطمة بنت الحسن بن القاسم بن إبراهيم. ولد في سنة ثمان وسبعين ومائتين. وكان فقيهًا عالمًا بالأصول والفروع، وله تصانيف كثيرة. ومات بصعدة سنة عشرين وثلاثمائة.
الناصر لدين الله، هو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. أمه أم أخيه المرتضى، كان عالمًا بطلًا، توفي سنة خمس عشر وثلاثمائة.
المهدي لدين الله، هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري ابن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄. أمه بنت فيروز الديلمي.
خرج إلى فارس، فأكرمه عماد الدولة علي بن بوية. وكان يختلف إلى أبي الحسن الكرخي ويتعلم منه، ومضى إلى حوشم وأقام بها، فحاربه صاحب طبرستان، وكان معه سيف لحمزة بن عبد المطلب، وكان يقاتل به، ودس إليه صاحب طبرستان رجلًا وسقاه السم، فمات ومضى لسبيله في سنة ستين وثلاثمائة.
1 / 18
ولم يكن للزيدية إمام معتبر مذكور في الكتاب، فهؤلاء السادات أئمة الزيدية، الذين خرجوا وقاتلوا، والله أعلم.
فصل
وقد أعانني على تأليف هذا الكتاب الأمير السيد الإمام النسابة شمس الدين شرف الإسلام فخر السادة نسابة خراسان أبو الحسن علي بن السيد النقي بن المطهر بن الحسن الحسني.
وهذا السيد قد رخى عمره في تحصيل كتب الأنساب وتعلم طرقها، واختلف بمرو إلى الإمام الحسن بن محمد بن علي بن إبراهيم القطان الطبيب مصنف كتاب الدوحة.
ولولا هذا السيد الإمام العالم النسابة وكتبه، لما تيسر في تلك الفتنة العمياء التي لم يبق فيها بنيشابور بيوت كتب، ولا واحد ممن يعرف نسبه فضلًا عن نسب آل رسول الله صلى الله عليه وآله تأليف هذا الكتاب.
ولكني دخلت بسببه ووسائل ما عنده من الكتب بيوت هذه المقاصد من الأبواب، فجزاه الله في الدارين أحسن الجزاء، وحشره مع آبائه الأتقياء، فإنه بقية السادات الأشراف والخلف الصالح عن الأسلاف.
فصل
معاني الأسماء في نسب بني هاشم
مضر: من قولهم ذهب دمه خضرًا مضرًا أي: باطلًا وفعل من ذلك.
معد: مأخوذ من موضع رجل الراكب من الفرس. وقيل: مأخوذ من معد في الأرض، فيكون مفعلًا من ذلك.
نوف: النوفل الرجل الكثير العطاء. قال الشاعر:
بأبي الظلامة منه النوفل الزفر
نزار فعال من الشيء الزوال القليل لمن يقول:
تسود أقوام وليسوا بسادة ... بل السيد الميمون سلمى بن جندل
وقد تزوج بليلى معد. قيل: علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له ما ذكرناه. وكانت عند عبد الله بن جعفر، وبنت علي ﵁ زوجته على ليلى.
يحيى بن علي بن أبي طالب ﵁، أمه أسماء بنت عميس، وكانت تحت أخيه جعفر، فلما قتل جعفر تزوجها علي بن أبي طالب ﵁ فولدت له يحيى، ومات يحيى في حياة علي ﵁. ولأسماء من جعفر: عبد الله ومحمد وعون.
أم الحسن ورملة أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود، وكانت أم الحسن بنت علي بن أبي طالب ﵁ فلم يلد له.
ورملة بنت علي ﵁ كانت عند أبي الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
أم كلثوم الصغرى، زينب الصغرى، أم هاني، أم الكرام، أم جعفر الجمانة، أم سلمة، ميمونة، خديجة، فاطمة، أمامة هن بنات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁.
وكانت رقية عند مسلم بن عقيل، ولها منه عبد الله وعلي ومحمد بني مسلم بن عقيل.
وكانت زينب الصغرى عند محمد بن عقيل، فولدت له عبد الله وفيه العقب.
وكانت أم هاني بنت علي ﵁ عند عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب، فولدت له محمد وقتل بكربلاء.
وكانت ميمونة بنت علي ﵁ عند عبد الله بن عقيل، فولدت له عقيلًا.
وكانت أم كلثوم الصغرى اسمها نفيسة عند عبد الله بن عقيل، فولدت له أم عقيل، ثم تزوجها كثير بن العباس فولدت له نفيسة، وتزوجها عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ﵃.
وكانت خديجة بنت علي بن أبي طالب ﵁ عند عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب، فولدت له حميدة، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عبد الله بن غامر بن كريز.
وكانت فاطمة بنت علي ﵁ عند أبي سعد بن عقيل بن أبي طالب، فولدت له حميدة، ثم تزوجها سعد بن الأسود بن البختري، فولدت له برة، ثم تزوجها المنذر بن عبيدة، ثم الزبير فولدت له عثمان وكثيرًا فدرجا.
وكانت أمامة بنت علي ﵁ عند الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فولدت له نفيسه وتوفيت عنده والسلام.
ومن أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي أكثر البنات المذكورات. ومن تغلبية رقية. ومن أسماء بنت عميس يحيى ومسلمة.
أبناء علي
ولما كان المقصود من هذا الكتاب ذكر الأنساب، فذكر من له نسب وعقب أولى من ذكر من لا عقب له، إلا أنا نذكر من لا عقب له حتى لا ينتسب إليه أحد، والله أعلم.
الحسن بن علي
بن أبي طالب ﵄
وقال بعض علماء السلف: هو آخر الخلفاء، وبمدة ولايته تمت أيام الخلافة، لقول النبي صلى الله عليه وآله: الخلافة بعدي ثلاثون سنة.
1 / 19
فخلافة أبي بكر ومدة ولايته سنتان وأربعة أشهر. ومدة خلافة عمر بن الخطاب عشر سنين وستة أشهر. ومدة ولاية عثمان بن عفان اثنتا عشرة سنة. ومدة ولاية علي بن أبي طالب ﵁ أربعة سنين وتسعة أشهر.
فجميع تلك المدة تسعة وعشرين سنة وسبعة أشهر، وبقي إلى تمام ثلاثين ستة أو خمسة أشهر، وهذه المدة بقي الذي كان فيها أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب ﵄ مستندًا بالخلافة قبل مصالحة أهل الشام.
كنيته أبو محمد. وكان دون الطويل وفوق الربعة، جميلًا أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله. وكان يخضب بالحناء والكتم، وهم ممن لبس الطيلسان.
وبويع له يوم الأحد التاسع عشر من رمضان، وقيل: في الثاني والعشرين من رمضان سنة أربعين، بايعه أهل الحل والعقد ومن بقي من المهاجرين والأنصار، ومن نكل من بيعة الله فقد بايعه طوعًا إلا من كان بدمشق.
ومدة ولايته خمسة أشهر، ثم صالح معاوية وعمره ما بين الأربعين والخمسين. وقيل: عاش اثنتا وأربعين سنة. وقيل: ثمان. وهو أصح. وكان الجراح بن سنان رماه بخنجر، وقيل: بمقول في فخذه حين طلبوا منه الأمان وضيعوه، فلما أفردوه أمضى الصلح.
وولادته كانت بالمدينة. وأمروا والي المدينة سعيد بن العاص حتى سقاه السم مع سعد بن أبي وقاص وجماعة من المهاجرين، فمات الحسن ﵁ مسمومًا بعد يومين، وسعد بن أبي وقاص في يومه. وقيل: سقته جعدة بنت أبي الأشعث بن قيس وكانت زوجته. وصلى عليه الحسين بن علي بن أبي طالب ﵄.
وقيل: كان نقش خاتمه الله أكبر وبه أستغيث.
وكان كاتبه خاله من قبل هند بن أبي هالة، ولفاطمة الزهراء ﵂ أخ من الأم يقال له: هند بن أبي هالة له روايات عن النبي صلى الله عليه وآله، ولا يدخل حجرة فاطمة ﵂ من الرجال إلا رسول الله صلى الله عليه وآله والعباس ثم علي ﵁ ثم الحسن والحسين ﵄ ثم هند بن أبي هالة وهو أخوها من أمها، ولهذا قيل لخديجة: أم هند.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله للحسن بن علي ﵄: إن ابني هذا لسيد له سؤددي وهيبتي والحسين هذا ابني أيضًا له جرأتي وجودي.
وللحسن بن علي رواية عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، وعن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁، وعن أمه فاطمة الزهراء ﵂.
وقيل: لما ولدت فاطمة ﵂ حملته أسماء بنت عميس، وقالت: يا رسول الله هذا صبي حسن، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله حسنًا، فلما ولدت فاطمة ﵂ الحسين ﵁ حملته أسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: يا رسول الله هذا أحسن من أول، فسماه حسينًا.
وقيل: إن الحسن بن علي رضي الله عليهما كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله من الصدر إلى السرة، والحسين أشبه الناس به من السرة إلى القدم.
وقال واحد لأبي جحيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله هل رأيت الحسن؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وإن الحسن بن علي ﵄ كان يشبهه.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أحب الحسن والحسين أحبني.
وقيل: اضطرع الحسن والحسين ﵄ عند رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هيه يا حسن فخذ حسينًا، فقالت فاطمة الزهراء ﵂: يا رسول الله أتنهض الكبير على الصغير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا جبرئيل يقول: أيها حسين خذ الحسن فاضطرعا، ولم يصرح واحد منهما صاحبه.
وقال عبد الله بن عمر: حج الحسن بن علي ﵄ عشرين حجة ماشيًا وإن النجائب ليقاد معه.
وقيل: كانت ولادة الحسين ﵁ بعد ولادة الحسن ﵁ بثلاثة عشر شهرًا.
وقال النجاشي الشاعر يرثي الحسن بن علي ﵄:
يا جعدة بكية ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
على ابن بنت الطاهر المصطفى ... وابن عم المصطفى الفاضل
أعني فتى أسلمه قومه ... للزمن المستحرج الماحل
نعم فتى الهيجاء يوم الوغا ... والسيد القابل والفاعل
1 / 20