لباب الآداب
محقق
أحمد محمد شاكر
الناشر
مكتبة السنة
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧ م
مكان النشر
القاهرة
وقالت حكماء الهند: الملك إذا لم يقبل من نصحائه ما يقبل عليه مما ينصحون «١» له به-: لم يحمد غبّ أمره، كالعليل الذى يدع ما يصف له الطبيب ويعود إلى استعمال ما يشتهي، فمن التمس الرخصة من الإخوان عند المشاورة، ومن الأطباء، عند المرض، ومن الفقهاء عند الشبهة-: أخطأ الرأي، وازداد مرضًا، واحتمل وزرًا.
وقالت حكماء الهند: الملوك ثلاثة: حازمان وعاجز. فاحد الحازمين: من إذا نزل به الأمر المخوف لم يدهش، ولم يذهب قلبه شعاعًا «٢»، ولم يعي برأيه وحيلته ومكيدته التي بها يرجو النجاة. والثاني- وهو أحزم من هذا-:
ذو العدة «٣» الذي يعرف الأمر متقدمًا قبل وقوعه فيعظمه إعظامه «٤» به، ويحتال له حيلته، كأنه رأي عينٍ، فيحسم الداء قبل أن يبتلى «٥» به، ويدفع الأمر قبل وقوعه. وأما العاجز: فهو الذي لا يزال في التردّد والتمني حتى يهلك نفسه.
وقالت الحكماء: الطمأنينة مقرونةٌ بالمضار، والحذر مقرون بالنجاة.
ومن ضيع الحزم وهو غني عنه ضيعه الحزم حين يفتقر إليه.
وقالوا: من أخذ بالحزم وقدم الحذر وجاءت المقادير بخلاف مراده-: كان أحمد رأيًا وأظهر عذرًا ممن عمل بالتفريط، وإن اتفقت له الأمور على ما يريد.
1 / 45