والصبر أفضل شيء يستعان به ... على الزمان إذا ما مسك الضرر وعن أبي قدامة الشامي قال: كنت آمرا على الجيش في بعض الغزوات، فدخلت بعض البلدان، فدعوت الناس إلى الغزاة، ورغبتهم في الجهاد، وذكرت فضل الشهادة، وما لأهلها، ثم تفرق الناس، وركبت فرسي، وسرت إلى منزلي، فإذا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان، فمضيت، ولم أجب، فقالت: ما هكذا كان الصالحون، فوقفت فجاءت، ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة، وانصرفت باكية، فنظرت في الرقعة، فإذا فيها مكتوب: أنت دعوتنا على الجهاد، ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما في، وهما ضفيرتاي ، وأنفذتهما إليك، لتجعلهما قيد فرسك، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله، فيغفر لي.
فلما كان صبيحة القتال، أخرجت الضفيرتين فقيدت بهما فرسي، وباكرنا القتال، فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسرا، فتقدمت إليه، فقلت: يا فتى، أنت غلام غر راجل، ولا آمن أن تجول الخيل، فتطأك بأرجلها، فارجع عن موضعك هذا. قال: أتأمرني بالرجوع، وقد قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} (¬1)، وقرأ الآية إلى آخرها.
صفحة ٣٨