تتأمل الأفق
بمحاجر فارغة
وشعور مخضوضرة
يكللون الفكر والحزن. •••
آه يا أبريل الإلهي
يا من تأتي حاملا الشمس والشذى
فتملأ الجماجم المزهرة
بأعشاش ذهبية !
وكان مما خفف على الأسرة هذا الحنين الجارف إلى الريف ، أن الأب قد احتفظ بضياعه القروية، حيث كانت الأسرة تذهب لتمضية العطلات، كذلك ابتاع الأب بعد ذلك كرمة فخمة في ضواحي غرناطة سميت «بستان سان فسنت»، حيث كانوا يمضون الصيف دائما، وكان لوركا يحرص على اللحاق بأسرته هناك لزيارتهم وتمضية بعض الوقت معهم، وقد ارتبطت تلك الكرمة بآخر أيام الشاعر حين ذهب في زيارة الأسرة هناك، حين وقع الانقلاب العسكري في صيف عام 1936م وأدى في النهاية إلى مصرعه.
وفي غرناطة، ألحق لوركا بمدرسة إعدادية اسمها «القلب المقدس»، كيما تعده للحصول على الشهادة الحيوية بالنسبة لكل طالب - وهي الثانوية العامة التي تسمى بالإسبانية «الباتشييراتو» - التي تؤهله للالتحاق بالجامعة، وكان جو الدراسة في هذه المدرسة - رغم أنها لم تكن مدرسة دينية بالمعنى المفهوم - جوا خانقا، وكان المدرسون من النوع المتزمت العتيق، وقد خلد لوركا أحد مدرسيه في تلك المدرسة، في مسرحيته «الآنسة روزيتا العانس»، حيث نرى الأستاذ «مارتين» يبث شجونه عن حياته كمدرس والصعوبات اليومية التي يلاقيها من تلاميذه، فيقول: «لقد عدت توا من إلقاء درس عن المنظور، لقد كان جهنما حقيقية، لقد كان درسا عظيما: «مفهوم وتعريف الاتساق»، ولكن لم يكن يهم الأولاد في شيء ... ويا لهم من أولاد! إنهم يحترمونني شيئا ما لأنهم يرون أنه لا نفع في، فمرة أجد دبوسا على المقعد أو عروسا صغيرة على ظهري، ولكنهم يقترفون أشياء أفظع مع رفقائي المدرسين، إنهم أبناء الأثرياء، ولا يمكن عقابهم لأنهم يدفعون، وهذا ما يقوله لنا المدير دائما، وأمس زعموا أن الأستاذ «كانيتو» المسكين، وهو معلم الجغرافيا الجديد، يرتدي مشدا للخصر؛ ذلك لأن جسده منحن قليلا، وحين كان يقف وحده في الفناء، تمالأ عليه الكبار وتلاميذ الداخلية، ونزعوا الثياب عن وسطه الأعلى، وربطوه في أحد أعمدة البهو، وألقوا عليه دلوا من الماء من الشرفة ... ... إنني أدخل المدرسة كل يوم وأنا أرتجف منتظرا ما سوف يفعلونه معي، رغم أنهم يحترمون - بعض الشيء - ما أنا فيه من البلاء ... إن الآباء يضحكون بعد ذلك من الفظائع التي يقترفها أولادهم؛ لأننا من المدرسين غير المثبتين، ولا نقوم بامتحان أولادهم، إنهم يعتبروننا رجالا خالين من العواطف، كأننا أشخاص نقف في آخر درجة من السلم، ولا نزال نرتدي ربطة العنق والياقة المنشاة».
صفحة غير معروفة