وخطر في ذهنه ألا سبيل له إلا أن يذهب إلى بيت خالته ويتناول غداءه معهم، ولا شك أن ليلى ستسر برؤيته. ليلى؟! ما له ذكر ليلى ولم يذكر خالته؟!
الفصل الثامن
كانت إيفون تجلس إلى ابنة عمها منى، وقد كانتا لا تحسان بالوقت إذا انفردت بهما الجلسة. كانت إيفون تعرف كل خافية لمنى، كما كانت منى تعرف كل خافية لإيفون. وكانت منى تعلم بين ما تعلم هذه العلاقة التي درجت بين عباس وبين إيفون، والتي بدأت باللقاء وانتهت إلى القبل، ثم تجمدت مظاهرها لم تتطور، وإن كان دبيبها في قلب المحبين يزداد ضجيجا، ونيرانها في عروقهما تزداد اشتعالا. وكانت منى لا تني تقول لإيفون كلما تحدثا عن هذا الحب: وما النتيجة؟
وتجيب إيفون: وأي نتيجة تريدين؟ - النتيجة الطبيعية لكل حب هو الزواج. - وما المانع؟ - كأنك لا تعرفين. - تقصدين اختلاف الدين؟ - وهل هذا قليل؟ أنت تعرفين شدة عمي مرقص وعمتي مريم في هذه الناحية. - الدين محبة، والمسيح سلام. - أجل، ولكن هناك تقاليد دينية لا يمكن الاعتداء عليها. - المسيح يقول: «أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم.» فكيف لا يريد مني أن أحب من يحبني وأبارك من يباركني وأحسن إلى من يحسن إلي. - أتحاولين أن تقنعيني أنا أم تحاولين أن تقنعي نفسك؟ - أنا لا أحاول إقناعك أو إقناع نفسي، إنما أقول لك ما يدور في نفسي. - هل أنت واثقة من حبه كل الثقة؟ - وثوقي من أنني أراك الآن. - وأين وقفت العلاقة بينكما؟ - على ما تعرفين. - لم تزد؟ - لم تزد! - حذار يا إيفون. - إنه أشد مني حذرا. - أبوك يقتلك! - لا تخافي. - أنا خائفة يا إيفون من عواقب هذه الصلة. - أنا مطمئنة إليها. - أرجو أن أطمئن مثلك. - وأنت ماذا فعلت مع ميشيل؟ - وماذا يمكن أن أعمل؟ - سيأخذ الليسانس هذا العام، أليس كذلك؟ - نعم، ولكنه سيتقدم إلى أبي قبل ذلك. - وماذا يدعو إلى العجلة ؟ - سمع أن هناك كلاما حول شخص آخر.
وضحكت إيفون في خبث. - سمع؟! طبعا لا بد أنه سمع من منوم مغناطيسي.
وفهمت منى الإشارة فابتسمت وقالت: ألم أقل لك إن المهندس الذي يعمل بالتليفونات، والذي يسكن البيت المقابل حاول أن يتعرف بأبي؟
وازدادت ابتسامة إيفون وهي تقول: منى، أتحسبينني ميشيل حتى تحاولي أن تضحكي علي أنا الأخرى؟ أي مهندس وأي تليفونات؟
وقالت منى بين الابتسامة والخجل: صحيح وحياتك. - دعي حياتي يا خبيثة، لفقت للشاب حكاية لتعجلي بالخطبة.
واستسلمت منى: وماذا أفعل؟ إنه يريد أن ينتظر حتى ينال الليسانس، ومن يدري لعله بعد الليسانس يقول انتظري حتى أنتهي من التمرين، وتمر السنون. لا بد أن نتصرف قليلا يا إيفون. - وهل أفادك التصرف؟ - طلب مقابلة أبي. - وماذا قال عمي شفيق؟ - سيقابله يوم الإثنين القادم. - نفعت الشغلة. - طبعا، وهل نلعب؟! - مبروك يا منى. - العقبى لك. - يا ليت! - ولو أني لا أدري كيف سيتم هذا. - سيتم كما يتم كل زواج. - الظاهر أن الحب أنساك أخلاق أبيك وشدة تدين أمك. - كل ما أعرفه أني أحبه وأريده، وأنه يحبني ويريدني.
والزوج والزوجة هما أهم عنصرين في الزواج، بل هما العنصران الوحيدان فيه، وكل ما عدا هذا قشور. - التقاليد والدين وأبوك وأمك. - المهم أنا وهو، وفقط. - كم أنا خائفة! - ولكني أنا غير خائفة، اطمئني. - أرجو أن أطمئن.
صفحة غير معروفة