لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - كتاب
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
عمان - الأردن
تصانيف
وقيل: "يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء لا يخلو عن أحدهما".
لقد عبر عن هذا المعنى بقوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ﴾ ولم يقل: (يكابد) أو (مكابدًا) ونحو ذلك، ذلك أن (في) تفيد الظرفية والوعاء. ومعناه: أن الإنسان خلق مغمورًا في المشاق والشدائد والصعاب منغمسًا فيها كما ينغمر الشيء في الماء، وكما يكون الشيء في الوعاء. فالشدائد والمشاق تحيط بالإنسان لا تنفكُّ عنه إلى أن يموت. وبعد الموت إما أن يجتازَ العقبةَ، فيدخل الجنة فتزول عنه الشدائد والمصائب، وإما أن لا يجتازها فيبقى في المشقات والشدائد أبد الآبدين منغمرًا في النار وهي أكبر الشدائد وأعظمهن.
ومن معاني (الكبد) أيضًا القوة والشدة والصلابة.
جاء في (لسان العرب): "وكبد كل شيء عِظَم وسطه وغلظه كبِدَ كَبَدًا وهو أكبد، ورملةٌ كبداء عظيمة الوسط.. والكبداء: الرَّحى التي تُدار باليد، سميت كبداء لما في إدارتها من المشقة. وفي حديث الخندق: فعرضت كبدة شديدة، وهي القطعة الصلبة من الأرض. وأرض كبداء وقوس كبداء: أي شديدة".
وهذا المعنى من لوازم المعنى الأول، فإن الذي خُلِقَ مكابدًا للشدائد والمصائب متحملًا مشاق الدنيا لا بد أن يكون خلق مستعدًا لذلك قويًا عليه شديد التحمل له.
1 / 254