ولبثت الروسية العظيمة من مئتين إلى ثلاث مئة سنة تحاول إدخال بولونية في الجنس الروسي وحمل البولونيين على نسيان قوميتهم الخاصة؛ بحجة أن العرق السلافي يجمع بين البولونيين والروس، ففشلت جميع مساعيها في إدماج البولونيين فيها، وعاد هؤلاء بعد الحرب العامة أمة مستقلة في كل شيء؛ وذلك لأنهم لم يتخلوا طرفة عين عن قوميتهم.
وليس من العجيب أن لا تريد أمة عددها 30 مليونا الاندماج في غيرها، ولكن الاستوانيين وهم مليونان فقط انفصلوا عن الروسية، ولم يقبلوا الاندماج فيها، وأحيوا استقلالهم ولسانهم المغولي الأصل وجعلوا له حروفا هجائية، ومثلهم أهالي فنلاندة المنفصلون عن الروسية أيضا.
وقد خابت مساعي الروس في إدماج الليتوانيين - من هذه الأمم البلطيكية - في الجنس الروسي، وانتفضوا بعد الحرب العامة أمة مستقلة كما كانوا مستقلين قوميا، وجميعهم أربعة ملايين، وأقل منهم جيرانهم الليتونيون
15
الذين هم مليونان لا غير، ومع هذا قد انفصلوا بعد الحرب وأسسوا جمهورية كسائر الجمهوريات البلطيكية؛ لأنهم من الأصل لبثوا محافظين على لغتهم وجنسهم.
وقد عجز الروس من جهة كما عجز الألمان من جهة أخرى عن إدخال هذه الأقوام في تراكيبهم القومية العظيمة؛ لأن كل شعب مهما كان صغيرا لا يرضى بإنكار أصله ولا بالنزول عن استقلاله الجنسي.
وقد حفظ الكرواتيون استقلالهم الجنسي مع إحاطة أمتين كبيرتين بهم؛ هم: اللاتين، والجرمان.
وحفظ الصربيون استقلالهم الجنسي مع سيادة الترك عليهم منذ قرون.
ولم يزل الأرناءوط أرناءوطا منذ عهد لا يعرف بدؤه وهم بين أمتين كبيرتين: اليونان، والصقالبة؛ أي السلاف!
وكذلك البلغار أبوا إلا أن يبقوا بلغارا فيما بين الروم والسلاف واللاتين، ثم جاءهم الترك فتعلموا التركية لكنهم بقوا بلغارا.
صفحة غير معروفة