نور اللمعة في خصائص الجمعة
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٧ هجري
تصانيف
لأعدائه، وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانا، وتوحيدا ومعرفة بالله، وأيامه لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورًا مشتركة بين الخلائق، وهي النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة، ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته، والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون، وتقسم أموالهم، ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا، وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به، ومن تأمل خطب النبي ﷺ، وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره، وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته، وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذكره ما يحببه إليه، فينصرف السامعون، وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها، ومقاصدها فأعطوها صورها، وزينوها بما زينوها به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع، والفقر وعلم البديع، فنقص بل عدم حظ بالقلوب منها، وفات المقصود بها فما حفظ من خطبه ﷺ أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة ق.
قالت أم هشام بنت الحرث بن النعمان: ما حفظت ق إلا من رسول الله ﷺ مما يخطب بها على المنبر، وحفظ من خطبته ﷺ من رواية علي بن زيد بن جدعان، وفيها ضعف: "يا أيها الناس توبوا إلى الله ﷿ قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة، وصلوا الذي بينكم، وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية تؤجروا، وتحمدوا وترزقوا، واعلموا أن الله ﷿ قد فرض عليكم الجمعة فريضة مكتوبة في مقامي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا إلى يوم القيامة، من وجد إليها سبيلا فمن تركها في حياتي، أو بعد مماتي جحودا بها، أو استخفافا بها، وله إمام جائر أو عادل، فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره ألا، ولا صلاة له ألا
1 / 157