النور والظلمات في ضوء الكتاب والسنة
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
في مكان بعيد لا يسمع داعيًا، ولا يجيب مناديًا، والمقصود أن الذين لا يؤمنون بالقرآن لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيرًا، لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى، بإعراضهم وكفرهم (١).
وفي قوله ﷿ في أول الآية: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾ مال الإمام ابن جرير ﵀ إلى أن الروح هنا هو القرآن الكريم، وجزم به الحافظ ابن كثير ﵀، والسعدي ﵀، وقيل: إن الروح هنا: النبوة، وقيل: الرحمة، وقيل: الوحي (٢).
وقال الإمام ابن القيم ﵀ في تفسير هذه الآية: «أي جعلنا ذلك الروح نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا، فَسمَّى وحيه روحًا، لِمَا يحصل به من حياة القلوب والأرواح، التي هي الحياة الحقيقية، ومن عدمها فهو ميت لا حي، والحياة الأبدية السرمدية في دار النعيم هي ثمرة حياة القلب بهذا الروح الذي أوحى إلى رسوله ﷺ فمن لم يحيَ به في الدنيا فهو ممن له جهنم، لا يموت فيها ولا يحيا، وأعظم حياة في الدور الثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الجزاء أعظمهم نصيبًا من هذه الحياة بهذه الروح، وسمّاه نورًا لِمَا يحصل به من استنارة القلوب، وإضاءتها، وكمال الروح بهاتين الصفتين: بالحياة، والنور، ولا سبيل إليهما إلا على أيدي الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والاهتداء بما بعثوا به، وتلقي العلم النافع والعمل الصالح من مشكاتهم، وإلا فالروح ميتة مظلمة، فإن كان
_________
(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٦٩٧.
(٢) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ٢١/ ٥٥٩، وتفسير البغوي، ٤/ ١٣٢، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ١٦/ ٥٣، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ٤/ ١٢٤.
1 / 39