حياة السلف بين القول والعمل
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٣ هـ
مكان النشر
الدمام - المملكة العربية السعودية
تصانيف
حَيَاةُ السَّلفِ بَينَ القَوْلِ وَالْعَمَل
تأليف
أَحْمد بن نَاصِر الطيّار
إِمَام وخطيب جَامِع عَبد الله بن نَوْفَل - الزُّلفيِّ
دَار ابْن الْجَوْزِيّ
صفحة غير معروفة
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:
لقد ترك لنا علماؤنا الأجلاء علومًا كثيرة في شتى الفنون، حتى كتبوا في السلوك والأخلاق والسياسة والمنطق والطب وغيرها من أنواع العلوم المفيدة، ومما كتبوا في ذلك وصنفوا: الكتب التي تحدثت عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا شك أن كلام علماء السلف أعظم تأثيرًا وفائدة من كلام من جاء بعدهم. فإنهم من القرون المفضلة التي شهد لهم النبي ﷺ بالخيرية، وإذا أكثر المسلم المطالعة في كتبهم وكلامهم وأحوالهم استفاد فائدة عظيمة، وعظم قدره وقبوله عند الناس.
وللإمام الغزالي في هذا المعنى كلام جميل حيث يقول: ولقد كان الحسن البصري ﵀ أشبه الناس كلامًا بكلام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأقربهم هديًا من الصحابة ﵃، اتفقت الكلمة في حقه على ذلك، وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب، وفساد الأعمال، ووساوس النفوس، والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس. وقد قيل له: يا أبا سعيد، إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك، فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان.
وقيل لحذيفة بن اليمان: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة، فمن أين أخذته؟ قال: (كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). (١)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: " كلما كان الرجل إلى السلف
_________
(١) إحياء علوم الدين (تهذيبه) ص: ٧٦
1 / 5
والأئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل" (١).
ولا شك أن كلام السلف وما نُقل عنهم من سيرهم لا يمكن حصره واستيعابه، ولو جُمع كل ما نُقل عنهم لبلغ ذلك عشرات الكراريس والمجلدات الضخمة، ولجُمع ما لا ينبغي ذكره من البدع والخرافات والمبالغات التي نجزم يقينًا أنها لم تصح عنهم، فقد كُذب عليهم كما كُذب على النبي ﷺ، وأما من جاء بعدهم فقد يقع منهم بعض هذه الأخطاء ولكن حسناتهم تغمر سيئاتهم.
وغرضي من هذا الكتاب: أن أقدِّم للقارئ والباحث ما كان عليه سلفنا الصالح بعيدًا عن ما كُذب عليهم، أو ما صدر عن بعضهم من الأخطاء التي فعلها باجتهادٍ منه وحسن نية. فالهدف هو أن يعيش المسلم حياة السلف، وأخلاقهم، وتعاملهم، وعبادتهم، وصلاح سريرتهم، وسلامة صدورهم، وغير ذلك مما يزيد من همة المسلم، ويحثه على الاقتداء بهم، والتمسك بآثارهم؛ فعند ذلك سيلاحظ مع الأيام تغيرًا ظاهرًا في حاله وقلبه، وفي تعامله وأخلاقه.
ومما يلاحظ على كثير من الكتب التي كتبت في هذا الموضوع:
١ - بعض هذه الكتب تجمع الغث والسمين، والطيب والرديء. ولم تُنقّح، ولم تحقق.
٢ - وبعضها يحتاج إلى بعض الترتيب والتنسيق.
٣ - وبعض هذه الكتب ضخمةٌ وكبيرة جدًا حتى يصل بعضها إلى ٣٠ مجلدًا، فلا يستفيد منها إلا القليل من الناس.
٤ - ويلاحظ على هذه الكتب أيضًا أنه إذا أراد القارئ أو الباحث موضوعًا ما فإنه لا بد أن يقرأ جميع ما في الكتاب حتى يُلمم شتات هذا الموضوع، لأن طريقة العلماء في هذا المجال هي أن يذكروا سيرة الشخص، وأقواله، وما قيل عنه، ولم يسلكوا طريقة المواضيع والعناوين ويذكروا الآثار التي تخص كل موضوع.
_________
(١) التدمرية ص: ١٩٢ تحقيق د. محمد السعوي.
1 / 6
نعم قد ألَّفوا في الفقه على هذه الطريقة كما فعل ذلك ابن أبي شيبة، ولكن الفقه ليس موضوع بحثي، وألَّفوا في العقيدة كما فعل الصابوني، والعقيدة جزء من هذا البحث الذي أنا بصدده، وألَّفوا في السلوك والأخلاق كما فعل الغزالي، ولكن كلام السلف وأحوالهم لم يكن موضوع كتابه وإنما هو ضمن كلامه وبحثه.
ومن خلال قراءتي لبعض كتب هؤلاء العلماء عليهم رحمة الله وجدت فيها فوائد ودررًا لا توجد في غيرها، جَمَعَت للمسلم ما يحتاجه من أمور دينه ودنياه، من كلام سلفه الصالح وتوجيهاتهم وأحوالهم.
وقد حاولت بحسب قدرتي واستطاعتي على استيعاب أكبر قدر ممكن مما نُقل عنهم من خلال ما قرأته من الكتب التي ذكرتها في المراجع.
ولكن هذه الكتب لا تخلو من الملاحظات التي ذكرت. ولقد تقاصرت همم الناس عن همم هؤلاء العلماء، فصعب على كثير من الناس قراءتها والاطلاع عليها، مع ما فيها من الفائدة العظيمة، والعلوم الكثيرة. يقول الإمام الذهبي ﵀ في آخر كتابه المنتقى الذي اختصر فيه كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية " منهاج السُّنَّة ": وهذا " المنتقى " فيه كفاية بحسب همم الناس، والأصل فبحسب همة الشيخ - أي: شيخ الإسلام. (١)
فإذا كان هذا كلام الإمام الذهبي، فكيف بنا ونحن في هذا العصر الذي كثرت فيه الملهيات والأشغال والفتن، نسأل الله أن يرحمنا برحمته.
علمًا بأن ما قمت به من جمع ما نُقل عن السلف ما هو إلا نزر يسير مما هو مُسطَّر في الكتب الأخرى التي يصعب جمعها ويعسر ذكرها، وما قمت به هي محاولة في جمع أخبارهم، وذكر سيرهم، في شتى المواضيع والميادين، ليسهل على القارئ والباحث الإطلاع على ما يريد من سيرهم وأخبارهم.
وقد عقدت العزم مستعينًا بالله جل وعلا على المُضي في جمع هذه
_________
(١) المنتقى ص: ٥٩٤.
1 / 7
المادة، واحتواء أكبر قدر ممكن مما نُقل عنهم، ﵃ وأرضاهم، ووفقنا الله للسير في خطاهم.
ولعل القارئ الكريم أن يُتحفني ببعض الاقتراحات والملاحظات التي لا أستغني عنها، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.
وقد مكثت في إعداد هذ الكتاب ما يقارب العشر سنوات، يتخللها الانقطاع في كثير من الأحيان، بذلت فيها أقصى جهدي في إعداده وترتيبه، وتنقيحه وتبويبه.
ولعله أن يكون مرجعا يرجع إليه الخطيب والداعية وطالب العلم.
أسأل الله جلَّ وعلا أن يُلهمنا الصواب في القول والعمل، وأن يرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا ونياتنا إنه سميع مجيب.
أحمد ناصر الطيار
الزلفي
٠٥٠٣٤٢١٨٦٦
البريد الإلكتروني:
ahmed ٠٤١١ @gmail.com
1 / 8
منهجي في اختيار مادة هذا الكتاب
١ - أذكر ما يفيد المسلم في أمر دينه ودنياه، وما يعينه على إصلاح حاله وقلبه، وإصلاح خلقه وسلوكه. وأما ما سوى ذلك فلا أذكره لقلة الفائدة من ذكره. فلا أذكر الأمور التالية:
أ - لا أذكر ما يقدح في العقيدة أو ما يُضادها، وهي وإن كانت قليلة ونادرة فقد وُجد شيء من ذلك كالتوسل بالموتى، والاستغاثة بهم، وغير ذلك.
ب - لا أذكر كل ما يخالف الكتاب والسُّنَّة. مثل ما يُذكر عن بعضهم أنه لا يسأل الله الجنة؛ لشدة خوفه وحيائه منه. وكذلك ما يُذكر عن بعضهم أنه يصوم الدهر ولا يتزوج النساء، وغير ذلك.
جـ - لا أذكر التواريخ والمواقع والغزوات والأحداث، فهذه لها كتبها الخاصة.
د - لا أذكر كل ما يخالف العقل والواقع، كما يُذكر عن بعضهم أنه لا يأكل في الشهر إلا وجبتين فقط، وبعضهم احتبس بوله أربعة عشر يومًا، وما يُذكر عن بعضهم أنه يمشي على الماء، فقد روي عن بعضهم أنه جاء إلى أحد هؤلاء وهو قائم يصلي على الماء، قال: فلما أحس بي: أوجز في صلاته، ثم أخذ بيدي، فوقفني على البحر، وحرك شفتيه، فقلت في نفسي: إن مشى على الماء مشيت معه. فما لبث إلا يسيرًا، فإذا الحيتان قد برزت مدَّ البحر، وقد أقبلت إلينا رافعةً رؤوسها من الماء، فاتحةً أفواهها، فقلت في نفسي: أين ابن بشر الصياد؟، فلما ذكرته في نفسي تفرقت؟!!! ... [صفة الصفوة ٢/ ٦٦١].
هـ - لا أذكر المبالغات والترهات التي لا تليق بكرامة الإنسان، فضلًا عن المسلم، فضلًا عن أهل العلم والفضل.
1 / 9
من ذلك ما يُذكر عن الحسن الفلاس أنه يلبس ما في المزابل.
ومثل ذلك قول سري السقطي: تُعجبني طريقة الحسن. وكان الحسن لا يأكل إلا القمامة.
و- لا أذكر ما لا فائدة من ذكره أو فائدته قليلة من القصص والخطب وغيرها. وكذلك ما يذكره بعضهم من الإسرائيليات التي لا نعلم صحتها، وقد أذكر بعضها إذا كان في ذكرها فائدة.
ز - لا أذكر الأحكام التي تقال في التزهيد من الدنيا ورغد العيش التي لا دليل عليها. مثال ذلك: قول إبراهيم التيمي: ما أكل آكل أكلةً تسرّه ولا شرب شربة تسرّه إلا نقص بها من حظه من الآخرة. ومثل هذا الكلام يحتاج إلى توقيف ولا مجال فيه للاجتهاد.
حـ - لا أذكر أيضًا ما قيل في المبالغة في الخوف والبكاء إلى حد لا يتصوره عقل ولا يُقره نقل، مثل ما يذكر عن سفيان أنه قال: كان سعيد بن السائب لا تكاد تجف له دمعة: إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن جلس يقرأ القرآن فهو يبكي، وإن لقيته في الطريق فهو يبكي.
وكذا ما يُذكر أن بعضهم لم يرفع رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة.
ط - لا أذكر أيضًا المصطلحات والتعريفات التي لا معنى لها أو يصعب فهمها، مثل قول بعضهم: قلب المحب يهيم بالطيران، وتكلمه لدغات الشوق والخفقان.
وقول بعضهم: الإخلاص: ارتفاع رؤيتك عن فعلك.
والتوكل: إسقاط رؤية الوسائط والتعلق بأعلى الوثائق.
قال ابن القيم ﵀ في معرض رده على أمثال هذه المصطلحات - كالفناء والاتصال وجمع الشواهد وجمع الوجود وجمع العين -: ولم يأت له ذكر في القرآن ولا في السنة ولا يعرفه إلا النادر من الناس، ولا يتصوره أكثرهم إلا بصعوبة ومشقة، ولو سمعه أكثر الخلق لما فهموه ولا عرفوا المراد منه إلا
1 / 10
بترجمة، فأين في كتاب الله أو سُنَّة رسوله أو كلام الصحابة الذين نسبة معارف مَن بعدهم إلى معارفهم كنسبة فضلهم ودينهم وجهادهم إليهم ما يدل على ذلك أو يشير إليه، فصار المتأخرون أرباب هذه الاصطلاحات الحادثة بالألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة أعرف بمقامات السالكين ومنازل السائرين وغاياتها من أعلم الخلق بالله بعد رسله؟ هذا من أعظم الباطل ...
فلا تجد هذا التكلف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم. ا. هـ بتصرف. (١)
ي - لا أذكر ما قيل في المدح للشخص؛ ككثرة حفظه، أو حسن صوته في تلاوة القرآن، أو مالَه من منزلة ومكانة عند العلماء والكبراء، وغير ذلك.
علمًا بأن ما ذُكر من أخطاء وترَّهات لم توجد في عهد الصحابة والتابعين. بل جاءت بعد ذلك. وفي كثير منها لم تصح ولم يثبت سندها كما تقدم بيانه.
وقد أذكر بعض هذه المخالفات مع ذكر تعقيبات عليها.
٢ - أذكر كل ما يتعلق بحياة السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد أذكر من جاء بعدهم لإتمام الفائدة.
٣ - لا أذكر المسائل الفقهية، والفتاوى، والتفاسير التي نُقلت عن السلف.
٤ - بالنسبة لكتاب " سير أعلام النبلاء " فقد ذكرت تعليقات الإمام الذهبي وجعلتها في المتن.
٥ - نقلت بعض التعليقات المهمة التي تكون إما توضيحًا، أو تعليقًا، أو تعقيبًا، أو توجيها، ونحو ذلك.
٦ - أضفت إلى كتب السير والتراجم والتواريخ نوعين من الكتب:
• كتب العقيدة.
_________
(١) مدارج السالكين ٤/ ٤١٨ - ٤١٩
1 / 11
• كتب الأدب.
فأضفت إلى كتب السير والتراجم والتواريخ: شيئًا من كلام السلف في العقيدة حيث لم تستوعب هذه الكتب ما نُقل عنهم في هذا الباب.
كذلك أضفت كتب الأدب لخلوها من المُلح والأدب وفنون الشعر في الغالب.
٧ - أدخلت في هذا الكتاب بعض المواضيع التي لا يشملها عنوان الكتاب مثل: أحوال المنتكسين، وطرف ونوادر. وأردت بذلك أن تتم الفائدة وأكون قد حويت أكبر قدر من نقولهم وأحوالهم في شتى المواضيع.
* * *
1 / 12
منهجي في ترتيب مادة هذا الكتاب
١ - قسمت الكتاب إلى مواضيع وعناوين، وربما جعلت عناصر تحت أحد العناوين لكثرة فروعه.
٢ - اعتنيت بشمولية العناوين، فكل ما يشمله العنوان أو يدور حوله؛ جعلته ضمن هذا العنوان، فمثلًا: موضوع الرجاء وحسن الظن بالله أدخلت تحته كل ما يتعلق بالرجاء؛ فذكرت أقوال السلف في فضل الرجاء وحسن الظن بالله، والقصص في ذلك، وما قيل عن رحمة الله وعفوه وتجاوزه، والقصص في ذلك.
٣ - رتبت النقول عن السلف على حسب القرون، فأبدأ أولًا بقرن الصحابة، ثم قرن التابعين، ثم تابعيهم وهكذا.
٤ - إذا وجدت كلامًا لأحد السلف وهذا الكلام يحتوي على عدة مواضيع، فربما جزَّأت هذا الكلام وجعلت كل جزء تحت ما يناسبه من العناوين.
وأضرب لذلك مثلًا:
* عن سعيد بن جبير. قال: إن الخشية أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك. فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإنْ أكْثَرَ التسبيح وقراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ١٠٤]
فقمت بهذا الترتيب:
* عن سعيد بن جبير. قال: إن الخشية أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك. فتلك الخشية. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ١٠٤].
1 / 13
* عن سعيد بن جبير. قال: الذكر طاعة الله. فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإن أكثر التسبيح وقراءة القرآن. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ١٠٤].
فكتبت الجزء الأول تحت موضوع: الخوف والخشية. والجزء الثاني تحت موضوع: الذكر.
٥ - بالنسبة للمصادر فأكتفي بمصدر أو مصدرين لكل نقل. فإن أكثر العلماء في هذا الباب ينقل بعضهم عن بعض، ولو تتبعت هذه المصادر لزاد حجم الكتاب بغير فائدة تُذكر.
٦ - بالنسبة للأبيات الشعرية؛ فقد اقتطفت منها الأبيات التي تحمل في طياتها المعاني الجميلة والعبارات الهادفة الواضحة، التي تزيد الكتاب حلاوةً وأُنسًا، ولذَّةً وشوقًا.
٧ - بالنسبة لكتاب الزهد للإمام أحمد فقد قام المحقق جزاه الله خيرًا بتمييز الآثار الصحيحة من الآثار الضعيفة، والآثار التي ذكرتها في هذا الكتاب هي الآثار التي قام بتصحيحها أو تحسينها. وأما الآثار الضعيفة فقد تركتها.
* * *
1 / 14
العقيدة
(أ) ذمُّ من احتجَّ بالقرآن وردَّ السُّنَّةَ:
* عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود ﵁: لعن الله تعالى الواشمات والمستوشمات والمتفلِّجات للحسن والمغيّرات خلق الله ﷿. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، كانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث ما بلغني عنك؟ أنّك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن والمغيّرات خلق الله ﷿؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله ﷺ وهو في كتاب الله ﷿؟ فقالت: لقد قرأت ما بين لوحَي المصحف، فما وجدت هذا؟ فقال عبد الله ﵁: لئن كنت قرأته لقد وجدته، ثم قال:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: من الآية ٧]. [الشريعة / ٦١]
* وعن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير ﵀ أنه حدّث عن رسول الله ﷺ حديثًا، فقال رجل: إن الله ﷿ قال في كتابه: كذا وكذا، فقال: لا أراك تعارض حديث رسول الله ﷺ بكتاب الله ﷿ ﷾. [الشريعة / ٦١]
* وقال الأبّار ﵀: كنت بالأهواز، فرأيت رجلا قد حفّ شاربه - وأظنه قال: قد اشترى كُتُبَا وتعيَّن للفتيا - فذُكر له أصحاب الحديث، فقال: ليسوا بشيء، وليس يَسْوون شيئًا. فقلتُ: أنت لا تُحسن تُصَلِّي. قال: أنا؟ قلت: نعم، أيْش تحفظُ عن رسول الله ﷺ إذا افتتحتَ ورفعتَ يديكَ؟ فسكتَ، قلت: فما تحفظُ عن رسول الله ﷺ إذا سَجَدْتَ؟ فسكت، فقلتُ: أَلَمْ أَقُلْ: إنك لا تُحسن تُصَلِّي؟ فلا تذكرْ أصحابَ الحديث. [السير (تهذيبه) ٣/ ١١٠١]
1 / 15
* وقال محمد بن إسماعيل الترمذي ﵀: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل ﵀: فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قُتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق! زنديق! زنديق! حتى دخل بيته. [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / ٣٠٠ - ٣٠٣]
* وقال الصابوني ﵀: وسمعت الحكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه ﵀ وهو يناظر رجلًا - فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدّثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبدًا! ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط لا تدخل داري إلاَّ هذا. (١) [عقيدة السلف وأصحاب الحديث / ٣٠٠ - ٣٠٣]
(ب) موقف السلف ممن قال: القرآن مخلوق:
* عن معاوية بن عمار، قال: سئل جعفر بن محمد ﵁ عن القرآن: أخالق أم مخلوق؟ فقال: ليس خالقًا ولا مخلوقًا، ولكنه كلام الله ﷿. [الشريعة / ٨٥].
* وقال أحمد بن أبي عوف: سمعت هارون الفروي ﵀، يقول: لم أسمع أحدًا من أهل العلم بالمدينة، وأهل السُّنن، إلا وهم ينكرون على من قال: القرآن مخلوق، ويكفرونه.
قال هارون: وأنا أقول بهذه السُّنَّة.
_________
(١) قال الآجري ﵀ " بعد أن ذكر مذهب الذين يقولون: لا نقبل إلا ما كان في كتاب الله ﷿، وأنه يجب الأخذ بما صح عن رسول الله ﷺ " قال: هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام، ودخل في ملة الملحدين. الشريعة / ٥٩.
وقال البربهاري ﵀: وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع. شرح السنة / ١٠٧.
1 / 16
قال لنا أحمد بن أبي عوف ﵀: وأنا أقول بمثل ما قال هارون.
قال ابن أبي عوف، وسمعت هارون يقول: من وقف على القرآن بالشك، فلم يقل غير مخلوق، فهو كمن قال: هو مخلوق. [الشريعة / ٨٦، ٨٧].
* وقال سفيان الثوري ﵀: من زعم أن قل هو الله أحد مخلوق فقد كفر بالله ﷿. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٣٨٤].
* وقال يحيى بن سعيد القطان ﵀: من زعم أن قل هو الله أحد مخلوق فهو زنديق، والله الذي لا إله إلا هو. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ١٠٩].
* وقال عبد الرحمن بن مهدي ﵀: من قال القرآن مخلوق، فلا تصل خلفه، ولا تمش معه في طريق، ولا تناكحه. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ١١٣].
* وعن منصور بن عمار ﵀ قال: كتب إليّ بشر المريسي: أعلمني ما قولكم في القرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فكتبت إليه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أما بعد، عافانا الله وإياك من كل فتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لم يفعل فهو الهلكة. كتبت إليّ أن أعلمك القرآن مخلوق أو غير مخلوق، فاعلم أن الكلام في القرآن بدعة، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطي السائل ما ليس له بتكلف، والمجيب ما ليس عليه، والله تعالى الخالق وما دون الله مخلوق، والقرآن كلام الله غير مخلوق، فانته بنفسك وبالمختلفين في القرآن إلى أسمائه التي سمَّاه الله بها تكن من المهتدين، ولا تبتدع في القرآن من قلبك اسمًا فتكون من الضالين، وذر الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، جعلنا الله وإياكم ممن يخشونه بالغيب، وهم من الساعة مشفقون. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ٢٢٠].
* وقال الشافعي ﵀: إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقًا خلق بمخلوق. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ١٢٥].
* وقال أيضًا ﵀: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ١٢٥].
1 / 17
(جـ) موقف السلف في باب الإيمان، وأنه اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص:
* قال سفيان بن عيينة ﵀: " الإيمان قول وعمل ".
وقال أيضًا ﵀: قيل لا بن عيينة: يزيد وينقص؟ قال: " فأي شيء إذًا ". [الشريعة / ١٢٣].
* وعن أبي الفتح نصر بن مغيرة قال: قيل لسفيان بن عيينة ﵀: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: أليس تقرؤون القرآن؟ ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران: ١٧٣] في غير موضع، قيل: ينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص. [الشريعة / ١٣٢].
* وعن عبد الرزاق قال: سمعت سفيان الثوري وابن جريج ومعمرًا ﵏ يقولون: " الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ". [الشريعة / ١٢٣].
* وعن يحيى بن سليم قال: سألت سفيان الثوري ﵀ عن الإيمان؟ فقال: " قول وعمل " وسألت ابن جريج ﵀ فقال: " قول وعمل " وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ﵀ فقال: " قول وعمل " وسألت نافع بن عمر الجمحي ﵀ فقال: " قول وعمل " وسألت مالك بن أنس ﵀ فقال: " قول وعمل " وسألت فُضيل بن عياض ﵀ فقال: " قول وعمل " وسألت سفيان بن عيينة ﵀ فقال: " قول وعمل ". [الشريعة / ١٣٨].
* وقال الأوزاعي ﵀: كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله، لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٢٩١].
* وعن أبي إسحاق الفزاري قال: قال الأوزاعي ﵀ في الرجل يسأل أمؤمن أنت حقًا؟
1 / 18
قال: إن المسألة عما سئل من ذلك بدعة، والشهادة عليه تعمق، ولم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبيُّنا، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام إلا مثل القول فيه جدل، المنازعة فيه حدث وهزؤ، ما شهادتك لنفسك بذلك بالذي يوجب لك تلك الحقيقة إن لم تكن كذلك، ولا تركك الشهادة لنفسك بها بالتي تخرجك من الإيمان، إن كنت كذلك، وإن الذي يسألك عن إيمانك ليس يشك في ذلك، ولكنه يريد أن ينازع الله علمه في ذلك، حتى يزعم أن علمه وعلم الله في ذلك سواء.
فاصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدع، حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق، ممن دخلوا في تلك البدعة بعد ما ردها عليهم علماؤهم، وفقهاؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام، فاستحلتها ألسنتهم، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيهم، ولست بآيس أن يدفع الله سيِّء هذه البدعة.
ولو كان هذا خيرًا ما خُصِّصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يُدَّخر عنهم خيرًا حق لكم دونهم لفضل عندكم، وهم أصحاب نبيِّه محمد ﷺ، الذي اختارهم له، وبعثه فيهم، ووصفهم بما وصفهم، فقال: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الفتح: ٢٩] ويقول: إنَّ فرائض الله ليس من الإيمان، وإنَّ الإيمان قد يطلب بلا عمل، وإنَّ الناس لا يتفاضلون في إيمانهم، وإنَّ برهم وفاجرهم في الإيمان سواء.
وما هكذا جاء الحديث عن رسول الله ﷺ فإنه بلغنا أنه قال: " الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون جزءاَ، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " وقال الله تعالى: ﴿شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣]، والدِّين هو التصديق وهو الإيمان والعمل، فوصف الله الدين قولًا وعملًا، فقال: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا
1 / 19
الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١]، فالتوبة من الشرك قول، وهي من الإيمان، والصلاة والزكاة عمل. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ٦١].
* وقال الحميدي: وسمعت وكيعًا ﵀ يقول: أهل السُّنَّة يقولون: الإيمان: قول وعمل، والمرجئة يقولون: الإيمان: قول، والجهمية يقولون: الإيمان: المعرفة. [الشريعة / ١٣٨].
* وعن عبيد بن عمير ﵀ قال: ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان قول وعمل. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٩].
* وقال مسعر ﵀: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٤٢٣].
* وقال يحيى بن سعيد القطان ﵀: كان من أدركت من الأئمة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ١٠٩].
(د) موقف السلف في باب القدر (١):
* قال أبو الأسود الديلي: قدمت البصرة، وبها عمران بن الحصين ﵁
_________
(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: والقدر يؤمن به، ولا يُحتج به، بل العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب. ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب، كما قال تعالى ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ [غافر: ٥٥]، ولهذا حجَّ آدم موسى ﵉ لما لام موسى آدم لأجل المصيبة التي حصلت له بأكله من الشجرة. فذكر له آدم " إن هذا كان مكتوبًا قبل أن أُخْلَق. فحج آدم موسى " كما قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢]. وقال تعالَى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: ١١].
قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنَها من عند الله فيرضى ويسلِّم.
فهذا وجه احتجاج آدم بالقدر: ومعاذ الله أن يَحتج آدم، ومن هو دونه من المؤمنين على المعاصي بالقدر. فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يَحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك، ويَحتج به قوم نوح وعاد وثَمود وسائر أهل الكفر والفسوق والعصيان، ولم يعاقب ربنا أحدًا، وهذا مِمَّا يعلم فساده بالاضطرار شرعًا وعقلًا.
فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء، فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء، ولا يعاقب عليه.
وهذا المحتجُّ بالقدر: لو جنَى عليه جان لطالبه. فإن كان القدر حجة للجاني عليه. وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لِهذا.
ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولًا: لم يُمكن للناس أن يعيشوا، إذ كان لكل من اعتدى عليهم أن يَحتج بذلك، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه، ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا، إذ لكل منهما أن يقتل الآخر، ويفسد جميع أموره، محتجًّا على ذلك بالقدر. اقتضاء الصراط المستقيم / ٦٢٢ - ٦٢٤.
1 / 20
صاحب رسول الله ﷺ، فجلست في مجلس، فذكروا القدر، فأمرضوا قلبي، فأتيت عمران بن الحصين، فقلت: يا أبا نجيد، إني جلست مجلسًا فذكروا القدر، فأمرضوا قلبي، فهل أنت محدِّثي عنه؟ فقال: نعم: تعلم أنَّ الله ﷿ لو عذب أهل السموات وأهل الأرض لعذبهم حين يعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته أوسع لهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته، ما تُقُبِّلَ منك حتى تؤمن بالقدر كله، خيره وشره، وستقدم المدينة فتلقى بها أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود، قال: فقدمت المدينة، فجلست في مجلس فيه عبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب. فقلت لأُبَيّ: أصلحك الله، إني قدمت البصرة، فجلست في مجلس، فذكروا القدر فأمرضوا قلبي، فهل أنت محدثي عنه؟ فقال: نعم. تعلم أن الله ﷿ لو عذب أهل السموات وأهل الأرض لعذبهم حين يعذبهم وهو غير ظالم ولو رحمهم كانت رحمته أوسع لهم ولو كان لك مثل أحد ذهبًا فأنفقته ما تقبل منك حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، ثم قال: يا أبا عبد الرحمن، حدِّث أخاك. قال: فحدثني بمثل ما حدثني أُبيّ بن كعب. [الشريعة / ٢١٧، ٢١٨].
* وقال عبد الله بن مسعود ﵁: لا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر كله، وبأنه مبعوث من بعد الموت. [الشريعة / ٢١٨].
* وعن أبي الحجاج الأزدي قال: قلت لسلمان الفارسي ﵁: ما قول الناس حتى تؤمن بالقدر خيره وشره؟ قال: حتى تؤمن بالقدر، تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، ولا تقول: لو فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولو لم أفعل كذا وكذا، لم يكن كذا وكذا. [الشريعة / ٢٢٠].
1 / 21
* وعن عطاء بن أبي رباح قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت ﵁: كيف كانت وصية أبيك إياك حين حضره الموت؟ قال: دعاني فقال: يا بني، أوصيك بتقوى الله، واعلم أنك لن تتقي الله ﷿ حتى تؤمن بالله، واعلم أنك لن تؤمن بالله، ولن تَطْعم طعم حقيقة الإيمان، ولن تبلغ العلم، حتى تؤمن بالقدر كله خيره وشره؟ قال: قلت: يا أبتِ، وكيف لي أن أؤمن بالقدر كلّه خيره وشرّه؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، أي بني، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: " إن أول ما خلق الله ﷿ القلم، قال: اكتب، قال: ما أكتب يا رب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وبما هو كائن إلى الأبد ". [الشريعة / ٢٢٣].
* وعن محمد بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند ابن عمر ﵄، فسئل عن القدر؟ فقال: شيء أراد الله ﷿ ألاّ يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله ﷿ ما أبى عليكم. [الشريعة / ٢٤٥].
قال الآجري ﵀: هذا معنى ما قال عمر بن عبد العزيز ﵀، في رسالته لأهل القدر. قوله: فلئن قلتم: قد قال الله ﷿ في كتابه كذا وكذا، يقال لهم: لقد قرؤوا منه - يعني الصحابة - ما قد قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، ثم قالوا بعد ذلك: كله كتاب وقدر، وكتب الشقوة وما قدر يكن، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرًا ولا نفعًا، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا، والسلام. [الشريعة / ٢٤٥].
* وعن ابن عباس ﵁ أنه قال: كل شيء بقدر، حتى وضعك يدك على خدك. [الشريعة / ٢٢٥].
* وقال أيضًا ﵁: القدر: نظام التوحيد، فمن وحَّد الله تعالى فآمن بالقدر، فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن وحَّد الله وكذب بالقدر، فإن تكذيبه بالقدر نقص للتوحيد. [الشريعة / ٢٢٦].
* وعن محمد بن سيرين ﵀ أنه قال: ما ينكر قوم إن الله ﷿ علم شيئًا فكتبه؟. [الشريعة / ٢٣٠].
1 / 22
* وعن إياس بن معاوية ﵀ قال: لم أخاصم بعقلي كله من أصحاب الأهواء، غير أصحاب القدر. قال: قلت: أخبروني عن الظلم في كلام العرب ما هو؟ قالوا: أنْ يأخذ الرجل ما ليس له، قال: فقلت: فإن لله ﷿ كل شيء. [الشريعة / ٢٣١].
* وقال بعضهم: [عيون الأخبار ٢/ ٥٤٠].
وعاجزُ الرَّأْي مِضْيَاعٌ لفُرْصَتهِ ... حتى إذا فات أَمْرٌ عاتبَ القَدَرا
* وعن طاووس ﵀ قال: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٢٨].
* وعن ابن طاووس - أو غيره -: أن رجلًا كان يسير مع طاووس فسمع غرابًا نعب فقال: خير، فقال طاووس: أي خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبني أو لا تمشي معي. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٢٨].
* واجتمع أبو عَمْرو بن العَلاَء ﵀ وعمرو بن عُبَيد فقال عمرو: إن الله وَعَدَ وَعْدًا وأَوعَد إيعادًا وإنه مُنْجِزٌ وعْدَه ووعيدَه. فقال له أبو عَمْرو: أنت أَعجَم! لا أقولُ إنَّك أَعجَمُ اللسان، ولكنك أعجم القَلْب! أما تعلم، وَيحَكَ! أن العرب تَعُدُّ إنجاز الوَعْد مَكْرُمة، وتَرْكَ إيقاع الوعيد مَكْرُمة؟ ثم أنشده:
وإنِّي وَإنْ أَوْعدْتُه أو وعَدْتُه ... لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعدي
[عيون الأخبار ٢/ ٥٤١].
* وقال داود بن أبي هند ﵀: أتيت الشام فلقيني غيلان. فقال: يا داود إني أريد أن أسألك عن مسائل؟ قلت: سلني عن خمسين مسألة، وأسألك عن مسألتين. قال: سل يا داود. قلت: أخبرني ما أفضل ما أعطي ابن آدم؟ قال: العقل، قلت: فأخبرني عن العقل هو شيء مباح للناس من شاء أخذه، ومن شاء تركه، أو هو مقسوم بينهم؟ قال: فمضى ولم يجبني. [الحلية (تهذيبه) ١/ ٤٦٣].
* وعن أنس بن عياض؛ أن غيلان وقف على ربيعة ﵀ فقال: يا ربيعة أنت الذي تزعم أن الله ﷿ يحب أن يُعصى؟ قال: ويلك يا غيلان أفأنت الذي تزعم أن الله يعصى قسرًا؟ [الحلية (تهذيبه) ١/ ٥٣٣].
1 / 23