كيف يطاق العيش إذا كان الحي في دار والميت في دار؟!
رحم الله ذلك الدور الذي كان الناس فيه يهتمون بقبورهم أكثر مما يهتمون بدورهم.
لست أدري ما الذي أوحى إلى الناس أن يقولوا: «الحي أفضل من الميت» ... لا، لا، ليس الحي أفضل من الميت، بل الميت أفضل من الأحياء كلهم لو يعلمون.
رحم الله ذلك الزمان الذي كان الميت فيه أفضل من الحي، ذلك الزمان الذي كانت فيه القبور أجمل من الدور، ذلك الزمان الذي كانت فيه القبور أهراما وهياكل رست أصولها تحت الثرى، وسمت فروعها إلى السماء تعانق قطع السحاب الممطر، على حين كانت الدور أكواخا، ذلك الزمان الذي كانت فيه القبور تبنى بالرخام، وتزين بأجمل النقوش والرسوم، وتؤثث بأفخر الرياش.
رحم الله الفراعنة أصحاب الأهرام! ورحم الله شاه جهان، صاحب «تاج محل»! فقد كانوا ألصق بموتاهم وأعرف بأقدارهم منا.
ليتني استطعت أن أعمل قبرك بيتا جميلا ذا نوافذ، أفرشه بالسجاد، وأضع فيه آلة الراديو تسمعك الأناشيد التي تحبينها!
ليتني استطعت أن أعمل بوصية صديقنا الطيب الكريم الرقيق القلب الدكتور منصور فهمي، فقد كتب إلي يقول:
إذا استطعت أن تجعل حجارة قبرها ذهبا فافعل.
آه! لو كنت أستطيع! (10) سنتي الماضية 1939
لك الويل يا سنتي الماضيه!
صفحة غير معروفة