مماطلة بني إسرائيل في ذبح البقرة وتشديدهم على نبيهم في وصفها
قال لهم نبيهم بعد أن جاءوا إليه في جماعة منهم وأخبروه بالواقعة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة:٦٧]، ما علاقة البقرة بقصة القتيل؟ القصة سارت على غير ترتيب البلاغيين وأصحاب القصص، فسببها جاء في الآخر، ومقدمتها في الأول، والخلاص في وسطها؛ وذلك ليشد انتباه السامع، وكان ينبغي لهم طالما أن الأمر من الله أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وهذا كحال بعض المسلمين اليوم عندما تقول له: إن الله يأمر بكذا، فيتلكأ ويتباطأ، فمثلًا تقول للمتبرجة: إن الله يأمرك بالحجاب، فتقول: أعطني فرصة حتى أتخلص من ملابسي، وكذلك الذي يلبس الذهب من الرجال، والذي يدخن السيجارة تقول له: إن الله يأمرك أن تترك هذا المنكر، فيقول: دعني أجاهد نفسي وأقلل المعدل، ونسي أنه ربما قد يموت والسيجارة في فمه، فماذا سيقول لربه ﷿؟ وربما قد تموتين وأنت على هذه الهيئة، إذًا: التباطؤ من صنيع بني إسرائيل، وقد جاء الله ﷿ بـ (إن) الفورية في الأمر ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ [البقرة:٦٧]، وجاء بلفظ الدلالة؛ ليفيد عظم الأمر، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة:٦٧]، والبقرة نكرة فأفادت العموم؛ لأن كتمان البيان عند الحاجة لا يجوز، يعني: في شهر رمضان ينبغي أن نتحدث عن أحكام الصيام، لا أن نتحدث عن الجنائز، وفي الحج كذلك نتحدث عن أحكام الحج؛ وهذه قاعدة أصولية، والمعنى: أنه ينبغي أن تبين عند الحاجة، فجاء بلفظ البقرة نكرة، إذًا: غير مقصود صفات البقرة، وإنما أي بقرة، فماذا قالوا لنبيهم؟ ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ [البقرة:٦٧]، وهذا سوء أدب منهم كعهدهم دائمًا، يقول العلماء: ولم يقولوا: (أتهزأ بنا)، وإنما (أتتخذنا) وكأن عادة موسى أن يصاحبه الاستهزاء! ولذا كان الاستهزاء بأمور الدين كفر وردة ونفاق، وحدث ولا حرج عن الذين يستهزئون بالله وبرسوله وبآياته، فمنذ حوالي أربعة أسابيع يرسم كاريكاتير في مجلة حمراء معروفة بهويتها: امرأة منتقبة تسأل العالم فتقول له: هل يجوز أن أغتسل وأنا ألبس النقاب أم لابد من خلعه؟! استهزاء منها، وبجوارها أيضًا امرأة تصافح رجلًا وتسأل العالم: هل بذلك يقام علي الحد؛ لأن أهل السنة يقولون: (اليد تزني وزناها اللمس)، استهزاء بالحديث، فهؤلاء القوم يكفرون من حيث لا يشعرون، ووالله الذي لا إله غيره إنهم يطعنون في القرآن، فيصعد الهابط إلى خشبة المسرح فلا يجد ما يضحك الناس إلا القرآن والسنة، فيعرض بحديث، أو يعرض بآية، أو يركب فوق الكعبة، أو ترقص راقصة وهي عارية فوق الكعبة، ولم يكفهم أن يستهزئوا بالموحدين وبأصحاب السنة، بل يأتون بالرجل له لحية وجلباب وقميص قصير، ويحمل سواكًا في جيبه على أنه مدفع! فيا قوم الاستهزاء أنواع، وسلاح الاستهزاء قديم، ولذلك نجد المنافقين في غزوة من غزوات النبي ﷺ كانوا مع حملة القرآن في طريق العودة إلى المدينة، فقالوا لحملة القرآن: ما نراكم إلا أكبرنا بطونًا، وأجبننا عند اللقاء، وأكذبنا ألسنة، يعني: أن المنافقين يستهزئون بحفظة القرآن، حتى يأتي طه حسين ويصور معلم القرآن في الكتاب بقوله: سيدنا يجلس وينادي: يا طه هل أرسلت أمك البطة أم لم ترسلها؟ إذًا حامل القرآن يبحث عن ملء بطنه، فيصورون للناس حامل القرآن بهذه الصورة السيئة، وقد أنزل الله قرآنًا يتلى في كتابه في شأن من استهزأ بحملة القرآن، فقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة:٦٥]، فجاءوا إلى النبي ﷺ وقالوا: يا رسول الله! كنا نخوض ونلعب، ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:٦٥ - ٦٦]، قولوا للقوم: إن الاستهزاء بآيات الله والاستهزاء بالقرآن والاستهزاء بالسنة والاستهزاء بأي شعيرة إسلامية كفر وردة، لكن الصحف تكتب ويخرج الاستهزاء بالقرآن والسنة والشعائر الإسلامية عيانًا بيانًا، واضحًا جليًا، ولا أحد يحرك ساكنًا.
قال تعالى: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة:٦٧]، أي: ألجأ إلى الله من هذه السخرية، فأستعيذ بربي ﷿ من أن أكون من الجاهلين بأمره.
2 / 6