المنهج السري
النقطة الأخرى: المنهج السري، وهو منهج الباطنية الذين احتكروا المنهج على مجموعة من الناس فقط.
فالدروز والنصيرية من فرق الباطنية المختلفة، وليس لهم معتقد، لو سألت أحدًا منهم: ما هي عقيدتك؟ لا يعلم؛ لأن العقيدة حكر وحصر على الفئة العليا عندهم، فلا يعلمون كل الناس، ولا يعلمون إلا فئات معينة من الأشخاص، وذلك إذا وصلوا إلى حد معين من الاختبار أو النجاحات المتتابعة التي يعقدونها لهم، فيعلمونهم عند ذلك حتى لا يندثر المنهج، لكن ليس كل واحد منهم يعرف.
فلو افترضنا أن واحدًا من هؤلاء علم عقيدتهم بطريقة أو بأخرى، فإن هذا الإنسان يعد تابعًا لهم تؤخذ منه العهود والمواثيق، والتهديد بالقتل والإعدام إذا أفشى هذه المعلومات، حتى لأتباعهم، فتعد عقيدتهم عقيدة سرية.
ومع ذلك ظهر أناس فضحوا هذه العقائد، وعلى رأسهم رجل اسمه سليمان الأذلي من اللاذقية، وهو من النصيرية قبل أن يتركها، ثم استدرجه النصيريون تدريجيًا حتى جاء إليهم، فأعدموه وأحرقوه؛ لأنه فضحهم في كتاب الباكورة السليمانية.
قال: إن عقائد الباطنية حكر، وهي عقائد تتوجه إلى أن مصدر التلقي في العقيدة هم هؤلاء الزعماء، والعقيدة تتأصل في أن علي بن أبي طالب للنصيرية هو الإله، والحاكم بأمر الله الفاطمي للدروز هو الإله، والآغاخان للآغاخانية هو الإله، وهؤلاء الزعماء الدينيون هم الذي يتلقون من هؤلاء الآلهة ويضعون العقائد بأتباعهم، بناءً على معرفتهم بهؤلاء الآلهة.
إذًا: المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة: أولًا: المنهج العقلي، وأصل التلقي عند أهل العقل هو العقل.
فالعقل هو الذي يحكم، فما أحبه العقل أحبوه، وما كرهه العقل كرهوه، وما حكم به العقل حكموا به، وما رفضه العقل رفضوه، فالعقل هو مصدرهم الأول في التلقي.
يعني: القرآن والسنة وأقوال الأئمة وغيرها هي مصادقة، لكنها ليست مصادر أصلية، إنما هي مصادر فرعية تابعة للعقل.
فالعقل هو الحاكم عليها، فما حكم به العقل على هذه المناهج أخذ، وما رده رد، وبالتالي فمصدرهم هو العقل لا غير.
ثانيًا: المنهج الذوقي: المنهج الذوقي وهو منهج المتصوفة ومصدرهم في التلقي ليس القرآن ولا السنة ولا الكتب والأذكار، بل مصدرهم في التلقي هم الأقطاب أو الرجال الذين يعدون زعماءً لهؤلاء المتصوفة.
فما قاله القطب فقوله لا يرد، ولا يمكن أن يناقش، ولا يمكن أن يجادل فيه بحال من الأحوال.
إذًا: كلام هذا القطب كلام مقدس يعد بمنزلة القرآن الكريم بالنسبة لهم.
فمصدر التلقي عند أصحاب المنهج الذوقي هم هؤلاء الأقطاب أو هؤلاء الأوتاد، ولذلك أصلوا لذلك نوعًا من التقديس، فقالوا: إن الكون يحكمه أربعة أقطاب: الجيلاني، والرفاعي، والشاذلي وغيرهم، فالكون مقسم إلى أربعة أقسام، كل واحد يحكم قسمًا، وكل واحد من هؤلاء الأقطاب له كذا وكذا من التدرجات المعروفة.
وكل واحد يحكم شيئًا، فهذا يحكم السماء، وهذا يحكم القمر، وهذا يحكم الشمس، وهذا يحكم المشتري، ومن يحكم عليه ويأمره يخرج من الصورة ومع ذلك هناك أناس يصدقونهم ويؤمنون بأقوالهم.
إذًا: مصدر المنهج الذوقي الذين يتذوقون الأحكام فقط، يعني: يأخذونها على أنها أمر مسلم لا يمكن أن ترد.
ثالثًا: المنهج العاطفي، فإن أصحاب هذا المنهج منهجهم في التلقي هم الأئمة، فما قاله الأئمة فإنه لا يرد، ولا يمكن أن يناقش، ومن أقوالهم: إن الرد على الإمام كالرد على الله ﷾.
وبالتالي فما قاله الإمام يعد أمرًا مقدسًا لا يمكن أن يناقش بحال من الأحوال.
رابعًا: المنهج السري المرتبط بالباطنية، والأشخاص الذين يدينون بهذا المنهج يأخذون عقائدهم من أناس متخفين لا يظهرون للناس أمرهم، وهؤلاء هم زعماء هذه المناهج الباطنية، وهم الذين يصدرون لهم الأحكام في مجال العقائد وغير العقائد، وهذا هو مصدرهم في التلقي.
2 / 26