دروس الشيخ أحمد فريد

أحمد فريد ت. 1450 هجري
64

دروس الشيخ أحمد فريد

تصانيف

ثمرات التقوى في الآخرة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: شجرة التقوى كما ذكرنا شجرة طيبة مباركة، تثمر للعبد في الدنيا وتثمر له في الآخرة، وذكرنا الثمرات العاجلة للتقوى، وما يجنيه العبد المتقي من ثمرات التقوى في الدنيا، فما هي ثمرات تقوى الله ﷿ في الآخرة؟ من ثمرات التقوى في الآخرة عباد الله! عز الفوقية على الخلائق يوم القيامة، كما قال الله ﷿: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [البقرة:٢١٢]. فأهل التقوى عباد الله! يفوزون بعز الفوقية على الخلائق يوم القيامة، فإن أهل الإيمان يكونون فوق أهل الكفر والعصيان؛ لأن أهل الكفر في أسفل سافلين، والمتقون في أعلى عليين، والمتقون هم سادات المؤمنين، يفوزون بالفردوس الأعلى الذي سقفه عرش الرحمن. فالله ﷿ أخبر عن الكفار أنهم يغترون بالدنيا وزخرفها وزينتها، أما أهل التقوى عباد الله! فهم يعرفون حقارة الدنيا فلا يغترون بها، بل يسعون للآخرة وللتنافس في النعيم المقيم وفي درجات جنة رب العالمين: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [البقرة:٢١٢]. من ثمرات التقوى في الآخرة عباد الله أن المتقين هم الورثة الشرعيون لجنة الله ﷿، كما قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم:٦٣]، وفي قراءة: (نُوَرِّثُ من عبادنا من كان تقيًا). فأهل التقوى هم الورثة الشرعيون للجنة، وهم الذين جمع الله ﷿ لهم بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، كما قال ﷿ في سورة الزخرف: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:٣٣ - ٣٥]. فلولا أن تكون الفتنة شديدة عباد الله! على أهل الإيمان، لجعل الله ﷿ لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة؛ لحقارة الدنيا عند الله ﷿؛ فهي لا تساوي جناح بعوضة، ولو كانت تساوي جناح بعوضة عباد الله! ما سقى كافرًا منها شربة ماء. فالله ﷿ يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، والذين يكفرون بالله ﷿ ويصدون عن سبيله ليل نهار، عندهم من زينة الدنيا وزخرفها أكثر مما عند المؤمنين، والله ﷿ يقول: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ﴾ [الزخرف:٣٣]، أي: لحقارة الدنيا، ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف:٣٣ - ٣٥]. ثم جمع الله ﷿ الآخرة كلها وجعلها للمتقين، فقال ﷿: ﴿وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:٣٥]. التقوى عباد الله! تجمع بين أهلها حين تنقلب كل صداقة وكل محبة وخلة إلى عداوة ومشاقة، قال الله ﷿: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:٦٧]. فالله ﷿ يجعل كل محبة في الدنيا، وكل محبة على معاصي الله ﷿ تنقلب إلى شقاوة، وتنقلب إلى عداوة. أما محبة المتقين فإنها تزداد رابطة وتزداد قوة في الآخرة، كما قال ﷿: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر:٤٧]. قال بعض السلف: إن الأخوة في الدنيا قد يكون فيها شيء من الضغائن، أما في الآخرة فإن الله ﷿ يصفي قلوب المؤمنين من الضغائن، وينزع ما في قلوبهم من الضغائن، فتصفو عند ذلك المحبة والأخوة، ويصيرون إخوانًا على سرر متقابلين، ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل. فكل محبة لا تكون لله، وكل تعاون لا يكون لله وفي الله ﷿ ينقلب إلى عداوة، إلا محبة المتقين فإنها تزداد يوم القيامة. أهل الجنة عباد الله يساقون إلى الجنة على الركائب، كما قال الله ﷿: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّ

6 / 10