265

دروس للشيخ ياسر برهامي

تصانيف

عظم القتل وجعله من الكبائر
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد: قال رسول الله ﷺ: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل راهب، فأتاه فسأله فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ قال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فأتاه فسأله فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، فانطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها قومًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: إنه جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله ﷿، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأرسل الله إليهم ملكًا في صورة آدمي فجعلوه بينهم -أي: حكمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهن كان أقرب فاجعلوه من أهلها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى الأرض التي أراد -وهي القرية الصالحة- بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة).
وفي رواية: (فأوحى الله إلى هذه -أي: القرية الفاسدة- أن تباعدي، وإلى هذه أن تقاربي، فقاسوه فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة، فقبضته ملائكة الرحمة)، وفي رواية أيضًا في الصحيح: (أنه لما أتاه الموت ناء بصدره -أي: مال بصدره- جهة القرية الصالحة)، مال مقدار الشبر.
هذه القصة عظيمة فيها من العظات والعبر ما نحتاج إلى أن نقف معها للتدبر والتأمل، فقول رسول الله ﷺ: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا)، والنفس الواحدة قتلها ذنب عظيم، قال ﷿: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة:٣٢].
فهذا الذنب العظيم الذي هو قتل الناس جميعًا وقع هنا مضاعفًا تسعة وتسعين مرة نعوذ بالله، وقال النبي ﷺ: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا)، أي: لا يزال في سعة ولا يزال الطريق واسعًا أمامه ما لم يصب دمًا حرامًا والعياذ بالله.

23 / 2